الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفاوت الجعالة بحسب تقييم الموقع للعامل

السؤال

أحد مواقع الربح يقدّم مجموعة من المهام مجهولة الأجر في البداية، أي أن الموقع يخبر من يريد العمل لديه بالمهمة بأجر مجهول، وعند قيام العامل بالمهمة وإنجازها، يخبره بأجرة هذه المهمة بنسبة مائة في المائة، ويكون الحساب على دقة العامل، فإن كانت دقته 20%، فله ذلك، وإن كانت 60 أو 80%، فله ذلك، وهكذا، فهل هذه المعاملة داخلة في جهالة الجعل؟ وهل يجوز لي العمل لدى هذا الموقع؟
ولو فرضنا أن الأجرة معلومة، فهل هناك حرج في تقييم العامل من طرف الموقع، إذا كان هذا التقييم مغيبًا عن العامل -أقصد أنهم يرون العمل المنجز، ويعطون نسبة الدقة دون ضوابط ظاهرة للعميل، وكل ما يراه العميل هو نسبة دقته فقط، ولا يعلم كيفية احتساب النسبة-؟ وشكرًا لكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا ترتفع جهالة الجعل في عقد الجعالة -كغيرها من عقود المعاوضات- إلا بمعرفة طرفي العقد لقدر الجعل.

وطالما أن العامل في الصورة التي ذكرها السائل لا يعلم الجعل؛ فهو مجهول بالنسبة له؛ وعندئذ تتحقق الجهالة، حتى ولو كان الجعل معلومًا عند المجاعل، وانظر للفائدة الفتوى: 329188.

ثم يأتي السؤال عن حكم الدخول في عقد جعالة مجهولة.

والجواب أن حكمها حكم سائر العقود الفاسدة، وقد نصّ كثير من أهل العلم على حرمة تعاطي العقود الفاسدة، قال السيوطي في «الأشباه والنظائر»: القاعدة الخامسة: ‌تعاطي ‌العقود ‌الفاسدة، حرام، كما يؤخذ من كلام الأصحاب في عدة مواضع. اهـ.

وقال الزركشي في «المنثور في القواعد الفقهية»: تعاطي العقود الفاسدة، فيه نظران:

أحدهما: إن تعاطاها مع الجهل بالتحريم؛ كان له حرمة، وإن كان مع العلم بالتحريم؛ فلا أثر له ...

النظر الثاني: في كون الإقدام على العقد الفاسد حرامًا أم لا؟ ليس مشهورًا في النقل، وكان الشيخ أبو محمد بن عبد السلام يبحث فيه، وتلقاه أصحابه عنه، وذكر ابن الرفعة في حاشية المطلب أنه سمع من الفقيه جمال الدين الوجيزي حكاية وجهين فيه، وكلام الشافعي في مواضع من الأم يقتضي التحريم ... اهـ.

وقال الدميري في شرح المنهاج: متى وقع العقد مع فوات أحد الشروط؛ كان باطلًا، وآثمًا به ... ومن هذه المسألة يؤخذ: أن ‌تعاطي ‌العقود ‌الفاسدة حرام. اهـ.

وأما السؤال عن معلومية الجعل، ولكن مع تفاوته بحسب تقييم العامل من طرف الموقع؛ فالذي نراه أن هذا التقييم إن كان خاضعًا لقواعد منضبطة، بحيث لا يفضي العمل بها إلى النزاع والغرر؛ فلا يعدّ ذلك جهالة مؤثرة في صحة الجعل، وإنما هو تحقيق لشرط الجعل، كأنهم قالوا: الجعل يكون كذا، إن جاء العمل بدقة كذا، ويكون كذا، إن كان العمل بدقة كذا.

وهذا قريب مما يذكره الفقهاء في مسألة: (إن خطت هذا الثوب فارسيًّا، فبدرهم، وإن ‌خطته ‌روميًّا، فبدرهمين)، وهذا صحيح في مذهب الحنفية، ورواية في مذهب أحمد، قال القدوري في مختصره: إذا قال للخياط: إن خطت هذا الثوب فارسيًّا، فبدرهم، وإن ‌خطته ‌روميًّا، فبدرهمين؛ جاز، وأي العملين عمل، استحق الأجرة. اهـ.

وقال ابن قدامة في «المغني»: روي عن أحمد صحة الإجارة فيما إذا قال: إن ‌خطته ‌روميًّا، فلك درهم، وإن خطته فارسيًّا، فلك نصف درهم. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني