الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المنتحِر متعرض للوعيد الشديد وهو تحت مشيئة الله

السؤال

هل يمكن أن يغفر الله للمنتحر، أم إنه يخلد في النار؟ وماذا على أهل المنتحر أن يفعلوا أملًا في أن يخفّف الله عنه العذاب؟ وإذا كان للمنتحر أعمال طيبة، وعبادات تخفف عنه، فهل يمكن أن يغفر الله له أم لا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالانتحار كبيرة من أعظم الذنوب، وأكبر الموبقات، وصاحب هذا الذنب متعرض للوعيد الشديد.

وقد وردت في ذلك نصوص كثيرة، فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: من قتل نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا. وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسُمٍّ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا. وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا. متفق عليه. وراجع الفتوى: 10397.

ومع هذا؛ فالمنتحر كغيره من أصحاب الكبائر الذين ماتوا على التوحيد، هو تحت مشيئة الله تعالى: إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له؛ فهو -إذن- إذا مات موحدًا، يمكن أن يغفر الله له، ودليل ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عَنْ جَابِرٍ, أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلى الله عَليه وسَلم, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ, هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنْعَةٍ؟ قَالَ: حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ, فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليه وسَلم لِلَّذِي ذَخَرَ اللهُ لِلأَنْصَارِ. فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليه وسَلم إِلَى الْمَدِينَةِ, هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو, وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ, فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ, فَمَرِضَ, فَجَزِعَ, فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ, فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ, فَشَخَبَتْ يَدَاهُ؛ حَتَّى مَاتَ, فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ, فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ, وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ, فَقَالَ لَهُ: مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صَلى الله عَليه وسَلم, فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟ قَالَ: قِيلَ لِي: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ, فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم, فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم: اللهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ. وراجع الفتوى: 5671.

وعلى أهله أن يستغفروا له، ويترحّموا عليه، ويتصدّقوا عنه، ومهما وهبوا له من ثواب عمل صالح؛ فإن ذلك ينفعه، وتنظر الفتوى: 111133.

وهو إن كان له عمل صالح، فلن يضيع ثوابه عند الله تعالى؛ فالله تعالى لا تضيع عنده مثاقيل الذر، قال جل اسمه: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {الزلزلة:7-8}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني