الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تجهيز الأجهزة الطبية وصيانتها إذا استعملت في العمليات المحرمة

السؤال

أعمل مهندسًا لتجهيز الأجهزة الطبية وصيانتها في أحد المستشفيات في بلد ما، وطُلب مني تجهيز جهاز التخدير من أجل إجراء عملية جراحية؛ فبدأت بتركيب قطع الجهاز المفتوحة، وأثناء ذلك أحسست أن العملية هي عملية تجميل أنف؛ لأنهم كانوا يأخذون صورًا قبل العملية للشاب الذي ستجرى له العملية، وعند انتهائي من التركيب، تأكّدت أن العملية لتجميل الأنف، وربما أكملت الأجزاء الأخيرة من الجهاز، ولكنني كنت منزعجًا داخليًّا، وخرجت دون اختبار الجهاز، وانصرفت، وبررت لنفسي أنه ليس مطلوبًا مني أن أتحرّى، والصالة يجرى فيها العديد من العمليات الجراحية الضرورية -كعمليات العيون، والجراحة العامة، وغيرها-، لكن نفسي غير مرتاحة؛ لأني إن كنت متأكدًا من أنهم يقومون بعملية تجميل تحسينية، فهل كنت سأوقف الصالة عن العمل، وأضع نفسي في مشكلة مع الإدارة، وخاصة أنهم من طائفة معينة، والمنطقة ككل منها، وهم يحلِّلون هذه العملية حسب علمي، وأنا من أهل السنة، وربما أتعرّض لمشاكل، وربما لا، وأحسّ بضعف؟ فأريد التفضل برأيكم عن التصرف المناسب لصيانة أو تركيب الأجهزة في صالات العمليات، في حال كان لديّ علم أن العملية محرمة -كتجميل الأنف-، هل أعملها؛ لأن الجهاز لجميع العمليات التي ستجرى بعدها، أم أكون مشاركًا لهم في الوزر، أم هم أحرار لأنهم يجيزون هذا النوع من العمليات؟ وفي حال عدم العلم بالعمليات التي تجرى، مع العلم أن 5% من العمليات هي عمليات تجميل أنف تحسينية.
وإذا كنت موجودًا في قسم التعقيم المركزي؛ لأننا نداوم معًا، ورددت على الهاتف، وأبلغوني أن هناك أدوات تجميل يجب أخذها للتعقيم، فهل أتجاهل الطلب، أم أحيله لفنيّ التعقيم، أم أتحمل إثمًا بإبلاغهم بالنزول لاستلامها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما دام أن تلك الأجهزة تستعمل في العمليات المباحة أيًضا، فلا حرج عليك في تجهيزها، وصيانتها قبل العملية -لا سيما وأن استعمالها في المباح أكثر-، ولكن إن علمتَ أن عملية معينة هي من النوع المحرم؛ فلا يجوز لك في الأصل تجهيز أو صيانة الأجهزة لإجراء تلك العملية؛ لأن هذا من الإعانة على المنكر.

وقد تكلّم الفقهاء في كتبهم عن بيع ما يستعمل في المباح وفي الحرام، ونصّوا على أنه لا يحرم بيعه إلا إذا علم البائع، أو غلب على ظنه أن المشتري سيستعمله في المحرم؛ فإنه لا يجوز بيعه له حينئذ؛ لقول الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}، وانظر التفصيل في الفتوى: 322033.

وصيانة الجهاز وتجهيزه لاستعمال المحرم، حكمه حكم بيعه لمن يستعمله في محرم؛ فلا يجوز إلا إن خفت على نفسك ضررًا؛ لكون أصحاب العمل من أهل البدع، وربما آذوك، فربما تُعذر حينئذ، وقد قال الله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ. {الأنعام:119}.

وانظر الفتوى: 444505 في بيان قاعدة: "الضرورات تبيح المحظورات"، والفتاوى المحال عليها فيها في بيان ضابط تلك الضرورات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني