الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنواع الحقوق وكيفية ردها والاستحلال منها

السؤال

ما الفرق بين الحقوق التي تستوفى، والتي لا تستوفى؟ ما معنى: لا تستوفى؟
والحقوق التي لا تستوفى، هل يكفي للتوبة منها (الاستسماح العام) أو الاستغفار والدعاء للشخص وذكر محاسنه، وأن تكون علاقتك جيدة مع ذلك الشخص، حتى وإن عرف أنك اغتبته مثلا؟
وأيضا، بالنسبة للذنوب التي تستوفى، هل الكذب على شخص، والقول إني إن اعترفت بكذبي، سيرجع الحق، أو يُستفاد من ذلك.
هل يعتبر حينئذ الحق قد استوفي؟ وهل حينها إن لم يكن يعلم من أخطأت بحقه بأني أنا الذي كذبت، وأوقعته بمشاكل. هل يجب أن أعترف له أنه أنا، أم يكفيني إصلاح المشكلة، أو تعويضه ولو بالسر؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحقوق، منها ما هو حقّ مادي كالأموال والجراح، ومنها ما هو حقّ معنوي، كالغيبة والقذف ونحو ذلك.

فمن كان عليه حق مالي: فالواجب عليه رد الحقّ لصاحبه، أو استحلاله منه، ولا يكفي أن يطلب منه العفو والمسامحة عموماً. ولكن لا بد من التفصيل، كما بينا ذلك في الفتوى: 391468

فمن كذب على شخص في شهادة أو غيرها، وترتب على كذبه ضياع حق لهذا الشخص، فلا بد من ردّ هذا الحق إلى صاحبه، أو استحلاله منه.

فقد جاء في شرح مختصر خليل للخرشي: وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى خَلَاصِ شَيْءٍ مُسْتَهْلَكٍ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ لِغَيْرِهِ بِيَدِهِ كَمِنْ مُحَارَبٍ أَوْ سَارِقٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، أَوْ شَهَادَتِهِ لِرَبِّهِ عَلَى جَاحِدٍ، أَوْ وَاضِعِ يَدِهِ عَلَيْهِ بِشِرَاءٍ أَوْ إيدَاعٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مَالِكِهِ. وَكَتْمِ الشَّهَادَةِ، أَوْ إعْلَامِ رَبِّهِ بِمَا يَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَى الْمَالِ بِكُلِّ وَجْهٍ، ضَمِنَ. انتهى.

ويجوز أن يردّ إليه حقّه سرا دون أن يُعلمه بما وقع منه من الكذب أو غيره، وانظر الفتوى: 139763

وأمّا الحقوق المعنوية، ففي وجوب التحلل من صاحبها؛ خلاف بين أهل العلم، ولا سيما إذا لم تبلغ صاحبها، وخيف مفسدة بسبب التحلل كالعداوة، فالراجح عندنا حينئذ عدم وجوب التحلل، والاكتفاء بالتوبة بين العبد وبين الله.

قال النووي -رحمه الله- في روضة الطالبين وعمدة المفتين: قال الأصحاب: التوبة تنقسم إلى توبة بين العبد وبين الله -تعالى- وهي التي يسقط بها الإثم، وإلى توبة في الظاهر، وهي تتعلق بها عود الشهادة والولايات.

أما الأولى، فهي: أن يندم على فعل، ويترك فعله في الحال، ويعزم ألا يعود إليه، ثم إن كانت المعصية لا يتعلق بها حق مالي لله - تعالى- ولا للعباد، كقبلة الأجنبية ومباشرتها فيما دون الفرج، فلا شيء عليه سوى ذلك.

وإن تعلق بها حق مالي، كمنع الزكاة، والغصب، والجنايات في أموال الناس، وجب مع ذلك تبرئة الذمة عنه، بأن يؤدي الزكاة، ويرد أموال الناس إن بقيت، ويغرم بدلها إن لم تبق، أو يستحل المستحق، فيبرئه، ويجب أن يعلم المستحق إن لم يعلم به، وأن يوصله إليه إن كان غائبا إن كان غصبه منه هناك، فإن مات، سلمه إلى وارثه، فإن لم يكن له وارث وانقطع خبره، دفعه إلى قاض ترضى سيرته وديانته، فإن تعذر، تصدق به على الفقراء بنية الغرامة له إن وجده، ..... وإن كان معسرا، نوى الغرامة إذا قدر، فإن مات قبل القدرة، فالمرجو من فضل الله -تعالى- المغفرة...................
وإن تعلق بالمعصية حق ليس بمالي، فإن كان حدا لله -تعالى- بأن زنى أو شرب، فإن لم يظهر عليه، فله أن يظهره، ويقر به ليقام عليه الحد، ويجوز أن يستر على نفسه، وهو الأفضل، فإن ظهر، فقد فات الستر، فيأتي الإمام ليقيم عليه الحد........
وإن كان حقا للعباد، كالقصاص وحد القذف، فيأتي المستحق، ويمكنه من الاستيفاء، فإن لم يعلم المستحق، وجب في القصاص أن يعلمه، فيقول: أنا الذي قتلت أباك، ولزمني القصاص، فإن شئت، فاقتص، وإن شئت فاعف.

وفي حد القذف سبق في كتب اللعان، خلاف في وجوب إعلامه، وقطع العبادي وغيره هنا بأنه يجب إعلامه، كالقصاص.

وأما الغيبة إذا لم تبلغ المغتاب، فرأيت في فتاوى الحناطي أنه يكفيه الندم والاستغفار، وإن بلغته، أو طرد طارد قياس القصاص والقذف فيها، فالطريق أن يأتي المغتاب ويستحل منه، فإن تعذر لموته، أو تعسر لغيبته البعيدة، استغفر الله -تعالى- ولا اعتبار بتحليل الورثة. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني