الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وصايا حول الجلسات العائلية المختلطة ووجود المنكرات فيها

السؤال

أفيدوني -جزاكم الله خيرا- أنا فتاة ملتزمة ولله الحمد، ولكن أعمامي منهم من لا يصلي، ومنهم من يسب الرب عند الغضب، وأولاد أعمامي كذلك.
والآن أصبحت متزوجة، وهذا قد حدَّ من العلاقة ولله الحمد، ولكني لا أعلم كيف أتصرف معهم، فأنا لا أقوى على نصحهم، أو لا تكون هناك فرص للكلام معهم عن هذه الأمور؟ وفي الأعياد أنكشف عليهم ويصافحونني، وكل هذا يزعجني، فأنا لا أعلم هل ينطبق عليهم حكم الخروج من الملة أم لا؟
مثلا الأيام القادمة عرس ابن عمي، وأنا لا أرغب في تهنئة أهله، حتى إذا سألوني وضحت لهم سوء الحال من أمر ابنهم، وأمر تارك الصلاة وحكمه في الإسلام، وأنصحهم بالحزم والجدية. ولكن هل هذا صحيح أم لا؟
طبعا أنا أعرف هذه التصرفات عنهم بالعموم، ولكن لا أعلم إن كانوا قد تابوا من السب، وخاصة لبعد مكان الإقامة.
فهل علي أن أسأل عن أحوالهم، أم أتعامل بما أعلمه عنهم؟
وأيضا جلسات أعمامي مختلطة: أي نساء ورجال، ولكني لا أجلس إلا إذا كانوا جميعهم محارمي. فهل هذا صواب، أم علي الانشقاق عن المجلس لأنه مجلس معصية، وإلا أكون آثمة، مع العلم بأنه أمر شاق جدا؛ لأنهم اعتادوا ذلك، ولا توجد أي جلسة دون الاختلاط، فأحاول دائما أن أجد حجة للنهوض من المجلس.
وبالنسبة لإنكار المنكر: إذا رأيت منكرا غالبا لا أتكلم بمدح أو ذم، ولكن أعرض عن المتحدث، وأنكر على القريبين وصديقاتي فقط. فهل أنا آثمة؟
ولا يوجد حولي امرأة ملتزمة بالزي الشرعي. فهل آثم إذا اصطحبت إحداهن إلى السوق للضرورة فقط؟ أو ذهبت معها؟
وكثير من الأمور على هذه الشاكلة عمت بها البلوى، وكثرت، ولا فرار منها، من جلوسي مع أبي أثناء مشاهدته التلفاز، أو مع نساء في مجلس لا يخلو من الغيبة، أو مجلس يشرب فيه الأرجيلة.
أعتذر عن الإطالة، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان أعمامك وبنوهم المذكورون على هذه الحال، فإنهم على خطر عظيم، فترك الصلاة كبيرة من كبائر الذنوب، وقطع للصلة بين العبد وبين علام الغيوب.

وقد ذهب بعض الفقهاء إلى كفر تاركها ولو تهاونا، وخروجه من ملة الإسلام، وخالفهم في ذلك الجمهور فلم يروا كفره وخروجه من الملة، ولمزيد الفائدة، راجعي الفتوى: 1145.

وأما سب الرب -تبارك وتعالى- فإنه كفر بإجماع العلماء، كما سبق وأن أوضحنا في الفتوى: 244450.

والغضب ليس مانعا من التكليف والمسؤولية، إلا إذا وصل بصاحبه إلى حد لا يعي فيه ما يقول، كما هو مبين في الفتوى: 35727.

ومن أهم ما نوصيك به كثرة الدعاء لهم بالتوبة، والهداية إلى الصراط المستقيم، فعسى الله أن يجعلك سببا لصلاحهم فتنالين الأجر العظيم من الرب الجواد الكريم.

وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فمعلق بالاستطاعة، وهو على درجات، كما ثبت في السنة الصحيحة، فمن ترك ما يستطيعه منه أثم، ومن ترك ما عجز عنه لم يأثم، وأدنى ذلك الإنكار بالقلب ببغض التصرف السيء قولا كان أم فعلا، ومغادرة مكان المنكر ما كان هذا المنكر قائما، وانظري الفتوى: 253174، والفتوى: 18122، ففيهما مزيد فائدة.

ولا حرج في جلوسك مع أبيك عند مشاهدته التلفاز، فليس هذا بمجرده مانعا شرعا من الجلوس، ولكن إن وجد أمر محرم كالموسيقى ونحوها، فالحكم في ذلك ما ذكرناه سابقا في أمر الإنكار، وكذلك الحال بالنسبة لمجالس الغيبة ونحوها.

ومصافحة الأجنبي محرمة، كما ثبت ذلك بالأدلة، وقد بيناها في الفتوى: 1025. فلا يجوز لك مصافحة أبناء عمك، أو وضع الحجاب عندهم سواء في الأعياد أم في غيرها.

وأما أعمامك فهم محارمك، فتجوز لك مصافحتهم ووضع الحجاب عندهم، وعلى تقدير كفر أحدهم وخروجه من الملة، فاختلاف الدين لا يمنع المحرمية، كما بينا في الفتوى: 124447.

وإن وجدت ريبة من أحدهم، فعليك معاملته معاملة الأجنبي، ولا فرق في هذا الحكم بين كونه مسلما أو كافرا.

ولا ننصحك بترك تهنئة الأهل؛ لئلا يجدوا في أنفسهم عليك، فتكون البغضاء والحقد بدلا من المودة والمحبة، ويمكنك أن تخبري من أهله من يمكنه نصحه، وترجين سماعه لكلامه واستجابته له.

وسبق بيان حكم الجلسات العائلية، وأنها لا حرج فيها إذا كانت منضبطة بضوابط الشرع، فيمكن مراجعة الفتوى: 98295. وجلوسك بوجود محارمك لا إشكال فيه، ولكن المشكلة فيما إذا كان هنالك تساهل من قبل الأعمام وزوجاتهم في التعامل بينهم كتبرج الواحدة أمام من هو أجنبي عنها منهم، أو الضحك والمزاح ونحو ذلك، فلا يجوز الجلوس معهم والحالة هذه.

واعتيادهم على مثل هذه الجلسات لا يسوغ مشاركتهم فيها، والمفارقة أبلغ من مجرد الإنكار، وقد تكون من دواعي انتباههم وصلاح حالهم، وقد قال شعيب لقومه: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ {هود:88}.

ومرتكب المنكر ينطبق عليه الحكم الذي ذكرناه سابقا، سواء كان مرتكبه قريبا أم غريبا، فيجب الإنكار على الجميع حسب الاستطاعة.

والخروج مع المتبرجة للسوق وغيره جائز، بشرط مراعاة ضوابط معينة، أوضحناها في الفتوى: 160999.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني