الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضرر عدم اهتمام الأهل بأمر التحرش بأولادهم

السؤال

تعرضت في طفولتي لتحرش محارم دائم ومتكرر، ولم أستطع الإفلات برغم كل محاولاتي، وامتد من عمر السادسة إلى عمر الثالثة عشرة.
وأبلغت أهلي منذ عدة سنوات بما جرى، وبفقداني عذريتي بسبب ذلك، ولم يحركوا ساكنا، واتهموني بالكذب.
وبعد زواجي وتظاهري أمام زوجي بأن غشائي مطاطي، بقي كرهي الشديد وحقدي عليهم يزداد، حتى دخلت العيادات النفسية مرات عديدة. وتناولت أدوية مضادة للاكتئاب وغيرها، ثم انجرفت بعدها إلى جريمة الزنا، وكأني كنت أنتقم منهم قبل نفسي.
ثم علم أهلي دون أن يعلم زوجي، وحاربوني وحبسوني في منزلي لأسباب واهية أمام زوجي، ولم يستطع أن يحرك ساكنا، أو يعلم السبب.
في أثناء ذلك تبت إلى الله، واعترفت بجريمتي، والتزمت بقراءة القرآن والتسبيح والأذكار، وصوم النوافل والحمد لله. لكن تصرفاتهم هذه جعلت البلدة بأكملها تنتبه وتشك، وتبدأ في بث الإشاعات، وقد قاطعوني تماما بما فيهم أمي وأخواتي، ويرفضون أي تواصل، كما يرفضون خروجي من منزل زوجي لأي سبب كان، الأمر الذي جعل كل من يعرفني يبدأ في الشك في عرضي، وخصوصا أهل زوجي الذين يجتمعون بشكل مستمر لمحاولة معرفة الأمر.
وحاليا أهلي يفرضون علي ترك وظيفتي، مع أني المعيل الوحيد لبيتي وأولادي، بسبب مشاكل صحية حاصلة مع زوجي، وبدون وظيفتي سنموت من الجوع حرفيا.
سؤالي: لو مات والدي وهما غاضبان علي بسبب هذا الأمر، بالرغم من توبتي. هل أكتب من العاقين؟
وما حكم تصرفهم تجاهي، وكشف ستري أمام العائلة كلها ولفت انتباه الجميع؟
أسألكم بالله أن تدعوا لي.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلنبدأ بما ذكرت من توبتك إلى الله -تعالى- وإقبالك على الذكر وتلاوة القرآن، وصوم النوافل.

فهذا أمر طيب، ومسلك حسن، نسأل الله -تعالى- أن يتقبل توبتك وكل عمل صالح، ونوصيك بكثرة الدعاء، وسؤال الله -تعالى- العافية من كل بلاء. فعسى الله أن يدفع عنك شر كل ذي شر. روى أبو داود عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي صلى عليه وسلم كان إذا خاف قوما، قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.

والواجب عليك الحذر من كل ما يمكن أن يقودك للوقوع في الفاحشة مرة أخرى، ولا يكون الضغط النفسي دافعا لك لهذا الفعل القبيح، فالضغط النفسي لا يبرر الوقوع في مثل هذا، وبذكر الله تذهب الهموم والغموم، قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}.
وإذا وجدت شيئا من المضايقات من أهلك أو أهل زوجك، فتسلي بالصبر، ففي ذلك كثير من خير الدنيا والآخرة، وراجعي الفتوى: 18103، ففيها بيان فضل الصبر.

وادفعي السيئة بالحسنة، فإن ذلك من دواعي حلول الألفة والمودة محل الجفاء والقطيعة، قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}.

وأكثري من دعاء الله -سبحانه- أن يصلح حالهم. ونوصيك بأمك خاصة، ببرها والإحسان إليها.

وبما أنك متزوجة، فالأمر في الإذن في الخروج من البيت من عدمه إلى زوجك، فإن أذن لك بالخروج والعمل، فليس لأهلك منعك من ذلك، فلا تكونين عاقة بمخالفة أهلك، وخاصة مع حاجتك للعمل، ولكن يجب عليك مراعاة الضوابط الشرعية عند الخروج من الستر، واجتناب الاختلاط المحرم ونحو ذلك من أسباب الفتنة، وراجعي لمزيد الفائدة، الفتوى: 19419.

ونختم بالتنبيه على خطورة التصرفات التي ذكرتها عن أهلك، ولا سيما والديك، من عدم اهتمامهم بأمر التحرش بك وفضحهم لك.

فإن صح ذلك عنهم، فهو أمر غريب يدل على نوع من الجهل ورقة في الدين وانتكاس للفطرة، فالغالب حرصهم على مصلحة ابنتهم والستر عليها لا إلحاق الضرر بها وفضحها.

ونوصي بتحري الحكمة في التعامل معهم ومداراتهم، والبر بالوالدين وخاصة الأم، والإحسان إليها، فإن ذلك لا يسقط عن ولدهما وإن أساءا إليه. كما هو مبين في الفتوى: 299887.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني