الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يوصف الله بذكورة أو أنوثة

السؤال

لماذا استخدم الله لفظ لم يلد؟ لأن بعض النصارى قالوا بأن الله أنثى؛ لأنه قال لم يلد، والأنثى هي التي تلد.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا نعلم أحدا من عقلاء بني آدم، ولو كان النصارى ونحوهم، ممن يؤمن بوجود الله تعالى، وصفه بكونه أنثى أو ذكرا! كما أنهم لم يريدوا بإثبات ولد لله -تعالى وتقدس- أنها ولادة حسية، وإنما ولادة روحية معنوية، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: معلوم أن الذين خرقوا له بنين وبنات بغير علم والذين قالوا: {ولد الله وإنهم لكاذبون} والذين قالوا: {المسيح ابن الله} و {عزير ابن الله}: لم يرد عقلاؤهم ولادة حسية من جنس ولادة الحيوان بانفصال جزء من ذكره في أنثاه يكون منه الولد. فإن النصارى والصابئين متفقون على نفي ذلك، وكذلك مشركو العرب، ما أظن عقلاؤهم كانوا يعتقدون ذلك، وإنما وصفوا الولادة العقلية الروحانية. اهـ.

والمقصود أن الله -تعالى وتقدس- لا يوصف بالذكورة ولا بالأنوثة، وإنما يوصف بذلك المخلوقات التي خلق الله من كل منها زوجين، وأما الله تعالى فهو الواحد الأحد الفرد الصمد. وهذا هو المقصود بسورة الإخلاص: نفي الأصل والفرع والنظير عن الله تعالى، تمييزا له عن المخلوقات.

قال شيخ الإسلام في «جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية»: ولهذا أنزل الله تعالى سورة الإخلاص التي هي نسبتُه وصفتُه، فقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}، فنزَّهه وقدَّسه عن ‌الأصول ‌والفروع ‌والنُّظَراء والأمثالِ. وليس في المخلوقات شيءٌ إلا ولا بدَّ أن يُنسَب إلى بعض هذه من الأعيان والمعاني، فالحيوان من الآدمي وغيرِه لا بدَّ أن يكون له إما والدٌ وإما مولودٌ وإما نظيرٌ هو كفؤه، وكذلك الجن والملائكة، ولهذا قال سبحانه: {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} .. اهـ.

وقال في موضع آخر من مجموع الفتاوى: نفى عن نفسه ‌الأصول ‌والفروع ‌والنظراء، وهي جماع ما ينسب إليه المخلوق من الآدميين والبهائم والملائكة والجن، بل والنبات ونحو ذلك؛ فإنه ما من شيء من المخلوقات إلا ولا بد أن يكون له شيء يناسبه: إما أصل وإما فرع وإما نظير، أو اثنان من ذلك أو ثلاثة. وهذا في الآدميين والجن والبهائم ظاهر. وأما الملائكة: فإنهم وإن لم يتوالدوا بالتناسل فلهم الأمثال والأشباه؛ ولهذا قال سبحانه: {ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون. ففروا إلى الله} قال بعض السلف: لعلكم تتذكرون فتعلمون أن خالق الأزواج واحد. ولهذا كان في هذه السورة الرد على من كفر من اليهود والنصارى والصابئين والمجوس والمشركين. فإن قوله: {لم يلد} رد لقول من يقول: إن له بنين وبنات من الملائكة أو البشر مثل من يقول: الملائكة بنات الله. أو يقول: المسيح أو عزير ابن الله. اهـ.

ولهذا قال ابن عقيل: وهذا مثل ما نفي الولد عنه، لا يريد به (لم يلد) لأنه ذكر وليس بأنثى، ولا أنه يتأتى منه، لكن لم يلد لأنه مستحيل عليه التجزؤ والانقسام. اهـ. نقله عنه ابن الجوزي في كشف المشكل.

فالمقصود باختصار كما قال النفراوي في شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني: أنه لم ينفصل عنه أحد، ولم ينفصل عن أحد. اهـ. وانظر الفتوى: 110357.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني