الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

هنالك مثلا شخص يكون لديه عيب. مثلا: يكون بخيلا، أو جبانا، أو ثرثارا، أو صوته عاليا، أو غير ذلك من الصفات السيئة، لكني أتغاضى عنه، وأحتفظ بذلك لنفسي؛ لأني لا أريد أن أجرحه أمام الآخرين.
فهل هذه مراعاة للغير؟ أم هي مداراة؟ أم ماذا؟ لأن الكثير في مجتمعنا ما يجرح الآخرين، وخاصة أمام الآخرين.
وهل الشخص الذي يخبرك بنقص فيك أمام الآخرين، هل تعتبر هذه صراحة؟ أم نقدا؟ أم انتقادا؟ أم وقاحة؟ عن نفسي أراها وقاحة؟
وأنا أيضا تضررت من الكثير من هؤلاء الأشخاص الذين يقولون مثلا: أنت منعزل عن الناس، والكثير، والكثير؟
أريد أن أعرف من ناحية نفسية ودينية عن الشخص الذي يتغاضى، والشخص الذي لا يتغاضى؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالمؤمن هين، لين، رفيق، سهل، يستعمل اللين والرفق ما أمكن، وينصح إذا نصح بالتي هي أحسن، ويتحمل أذى الخلق، ويكف أذاه عنهم، وإذا انتهكت حرمات الله تعالى؛ غضب لله، وأنكر المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة.

فهو يحرص على الجمع بين المصالح رعاية لحق الله تعالى، وحق عباده، فإذا كان شخص ما يرتكب منكرا، وأمكن مناصحته سرا، فهو أولى من مناصحته علانية، وإن كانت في هذا الشخص صفة مستهجنة، لكنه لم يرتكب منكرا، كأن كان كثير الكلام مثلا؛ فإنه يحرص على نصحه دلالة له على الخير الذي يقربه إلى الله تعالى، ويحفظ عليه دينه، فهو في أفعاله كلها يراقب ربه، ويحرص على مرضاته.

فإن كان في النصح غير المباشر غنية لم يلجأ إلى النصح المباشر؛ لئلا يخجل ذلك الشخص، أو يحرجه تأسيا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إذ كان يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا، وإن لم تنفع النصيحة غير المباشرة، فإنه يتحرى أرفق الكلمات، وأرقها، وأنسب الأوقات ليوجه نصحه لهذا الشخص، مع الحرص التام على ألا يخجله، بل يبين له أنه إنما ينصحه لكونه يحبه؛ ولأن المؤمن مرآة أخيه؛ ولأنه ليس أحد سالما من العيوب، ونحو ذلك.

فيجمع بذلك بين المصالح كلها؛ إذ الشرع قد أتى بتحصيل المصالح وتكميلها، وتقليل المفاسد وتعطيلها، وهو في ذلك كله يبحث عن الأرضى لله تعالى، فيفعله، ويتقي الله تعالى في خلقه، ويرحمهم جميعا، ويحرص على مصلحتهم في دنياهم وآخرتهم.

وأما نصيحة الناس في الملأ؛ فأمر لا ينبغي، ولا يليق، بل هو بالتعيير أشبه من أن يكون نصيحة، وقد نبه العلماء على هذا المعنى، وبينوا أن الذي يتعين هو النصح سرا، ما أمكن؛ لئلا تصير النصيحة فضيحة.

قال ابن رجب -رحمه الله: قال الفضيل: المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير، فهذا الذي ذكره الفضيل من علامات النصح والتعيير، وهو أن النصح يقترن به الستر، والتعيير يقترن به الإعلان. وكان يقال: (من أمر أخاه على رؤوس الملأ فقد عيَّره) أو بهذا المعنى. وكان السلف يكرهون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على هذا الوجه، ويحبون أن يكون سرًّا فيما بين الآمر والمأمور، فإن هذا من علامات النصح، فإن الناصح ليس له غرض في إشاعة عيوب من ينصح له، وإنما غرضه إزالة المفسدة التي وقع فيها. وأما إشاعة وإظهار العيوب؛ فهو مما حرمه الله ورسوله. انتهى.

فهذا من الناحية الشرعية، وكذا يقال من الناحية النفسية، فإن المحسوس المشاهد أن المنصوح يتأذى نفسيا بنصحه على الملأ، وافتضاحه بين الناس، أكثر مما يتأذى لو كان ذلك في خلوة، وبُعْدٍ عن السامعين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني