الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زكاة من اشترى شقة بنية التجارة ثم سكنها ثم نوى بيعها

السؤال

اشتريت شقة بنية التجارة، ثم بعد شرائها قررت أن أسكنها.
فهل تجب فيها الزكاة؟
وماذا لو قمت ببيعها بعد سكني فيها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فبتغيير النية من التجارة إلى القنية، تصبح تلك الشقة قُنية، ولا زكاة فيها؛ لأن نية القنية تكفي في سقوط الزكاة في عرض التجارة.

قال الماوردي -الشافعي- في الحاوي: عَرض التِّجَارَةِ، لَوْ نَوَى بِهِ الْقنْيَةَ، سَقَطَتْ زَكَاتُهُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ .. انتهـى.
وقال الرحيباني، في مطالب أولي النهى: فإذا نوى القنية زالت نية التجارة، ففات شرط الوجوب. انتهى.
وقولك: لو سكنتها ثم بعتها، فهل تجب فيها الزكاة؟ إذا كنت تقصد أنك نويت اتخاذها سكنا، ثم بعد ذلك نويت المتاجرة.

فالجواب أن جمهور أهل العلم يرون أن تغيير النية من القنية إلى البيع، لا يصير العين عرضا تجاريا، وقيل يؤثر تغيير النية، وتصير العين عرضا تجاريا من وقت تغيير النية. والقول الأول هو المفتى به عندنا.

قال الماوردي -الشافعي- في الحاوي: إِذَا اشْتَرَى عَرَضًا لِلْقِنْيَةِ، فَلَا زَكَاةَ فيه، فإذا نَوَى بَعْدَ الشِّرَاءِ أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ، لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ، حَتَّى يَتَّجِرَ بِهِ، وَلَا يَكُونُ لِمُجَرَّدِ نِيَّتِهِ حُكْمٌ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وأبي حنيفة.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ، وَتَجْرِي فِيهِ الزَّكَاةُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحُسَيْنِ الْكَرَابِيسِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ عَرَضَ التِّجَارَةِ، لَوْ نَوَى بِهِ الْقِنْيَةَ سَقَطَتْ زَكَاتُهُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، فَكَذَلِكَ عَرَضُ الْقِنْيَةِ، إِذَا نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ، جَرَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا وَجَبَتْ فِي الْعَرَضِ لِأَجْلِ التجارة، والتجارة تصرف، وفعل الحكم إِذَا عُلِّقَ بِفِعْلٍ لَمْ يَثْبُتْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، حتى يقترن به الفعل. اهــ.
قال ابن قدامة في المغني: وإذا اشتراها للتجارة، ثم نواها للاقتناء، ثم نواها للتجارة. فلا زكاة فيها حتى يبيعها ويستقبل بثمنها حولا.

لا يختلف المذهب في أنه إذا نوى بعرض التجارة القنية أنه يصير للقنية، وتسقط الزكاة منه. وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي... انتهى.
وقال الخرشي -المالكي- في شرحه لمختصر خليل: إذا كان عنده عرض للتجارة، ثم نوى به القنية. وقلتم ينتقل بالنية كما مر، ثم نوى به التجارة أيضا فإنه لا ينتقل إليها بمجرد النية على المشهور، وتصير كسلع القنية أصالة؛ لأن النية سبب ضعيف تنقل للأصل ولا تنقل عنه، والأصل في العروض القنية...انتهى.
وعليه؛ فتغييرك للنية ببيع الشقة بعد أن كانت للقنية، لا يوجب الزكاة في ثمنها، ما لم يحل عليه الحول. وحول الثمن يحسب من وقت البيع، لا من وقت تغيير النية؛ لأن النية تنقل إلى القُنية ما كان يراد به التجارة، ولا تنقل للتجارة ما أُريد به القُنية.

وللفائدة، انظر الفتوى: 303658.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني