الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين، سيدنا محمد عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين... أما بعد:
فهذا سؤالي أرجو أن تفتوني مأجورين وتبينوا لي فيه وجه الحق والصواب، لأنه أصبحت بصراحة مشكلة تؤرقنا جميعا، أنا ووالدتي –سالمة- حفظها الله وإخوتي، لقد توفي والدي –علي- رحمه الله منذ أكثر من ثلاث وعشرين سنة (مارس1980)، فكفلنا عمي بما أن والدتي –سالمة- كانت أمية ولا تحسن التصرف، ونحن أطفال صغار، كان والدي تاجرا، وقد ترك محلا تجاريا "متجر مواد غذائية" و"مقهى"، هي موضوع النزاع، كان المقهى على ملك الأجانب ببلدنا، وقد اشترى والدي –علي- الأصل التجاري لهذا المقهى من المنتفع به قبله وسجله باسم والدتي –سالمة- ، وبعد وفاته بعشر سنين، قررت الشركة المكلفة بأملاك الأجانب بيع المقهى فاشترته والدتي وأصبح ملكا لها، وطوال هذه الفترة كان المسؤول عنا هو عمي، حيث كان يقوم بكراء المقهى أو استغلاله مباشرة، إلى أن اتفق مع أحد التجار ببلدتنا على كراء المقهى المذكور، وعند تحرير العقد اشترى التاجر المقهى ولم يشتر الأصل التجاري، وهذا ما جعل والدتي تخسر الأصل التجاري الذي هو الموضوع المثار، وأصل ذلك أن والدي رحمه الله لما كان حيا أدخل بعض الإصلاحات والتعديلات على المقهى المذكور، واضطر إلى أخذ مبلغ مالي قيمته 2000 ألفا دينار، من صديق له –صالح-، على أن يشركه بإعطائه جزءا من مساحة المحل التي يستغلها كمكتب، وقد طلب أبي –علي- من أمي –سالمة- أن يجعل صديقه الذي اقترض منه المبلغ المذكور شريكا معها، فرفضت ذلك، ولم يقبل به شريكا، على حسب رواية عمي، ولكن شريك أبي –صالح- الذي أعطاه المال يروي أنه أعطى والدي 3000 ثلاثة آلاف دينار، على أن يكون شريكا بالنصف في المحل في الأصل التجاري، فموضوع الخلاف بين الروايتين فيما يلي: الصديق –صالح- يقول إنه أعطى 3000 ثلاثة آلاف دينار وقبل شراء الأصل التجاري على أن يكون شريكا في الأصل التجاري، وعلى قوله فإن والدي –علي- قبل به شريكا في الأصل التجاري، ورواية عمي –منير- ووالدتي تقول إن هذا الرجل أعطى 2000 ألفي دينار بعد شراء الأصل التجاري مقابل تمتعه بجزء من المحل كمكتب خاص له، وعلى قولهما فإن والدتي –سالمة- رفضت دخول هذا الرجل شريكا معها، ولم يكن شريكا لها في الأصل التجاري، ولما لم يدخل هذا الصديق شريكا في الأصل التجاري، فقد اضطر والدي –علي- إلى أن يكتب له كتابا فيه مبلغ دينه، على أن يرجعه له حين يقدر على ذلك، ولكن المنية وافت والدي قبل أن يرجع المال المذكور إلى صاحبه-صالح-، وبعد الوفاة قدم الصديق المذكور –صالح- الصك إلى البنك، لكن البنك رفض تسديد المبلغ المذكور باعتبار أن قيمته زالت بوفاة مالكه، حينها اتصل الصديق المذكور بعمي لاسترجاع ماله لكن عمي سامحه الله ماطله ولم يعطه حقه، فاضطر إلى السكوت وعدم إثارة المسألة أمام القضاء، ولم يتنازل عن حقه لفائدتنا، وبعد أن كبرنا ورشدنا وعلمنا بالمسألة كيف هي، أردنا أن نخلص ذمتنا ونقضي دين والدنا، واتصلنا بالصديق المذكور-صالح-، فقال إنه لا يقبل منا غير مناصفة والدتي في الأصل التجاري الذي قد فرطنا فيه بالبيع ولم نعد نملكه،
سيدي بعد بيان مسألتنا، نريد فضها من الناحية الشرعية وإبراء ذممنا، وذمة والدنا أمام الله تعالى، لذلك نرجوكم أن تفتونا وتبينوا لنا الأمر مشكورين، ونريد خصوصا بيان ما يلي من مسائل ثارت بيننا وبين الصديق المتقدم ذكره:
هل والدتي –سالمة- مجبرة على مناصفته، مع أنه مقر بالأصل التجاري الذي لم نعد نملكه، لأن والدتي ترفض مبدأ المناصفة، وهو يرفض قبول المبلغ المالي الذي قدمه لوالدي، بحجة أن قيمة الصرف تغيرت، ولم تبق كما هي قبل عشرين سنة، في صورة إرجاع المال له هل نرجعه بقيمته حين أقرضنا أو بقيمته حين نرجع له، أقصد الدينار تغير سعر صرفه أكثر من ثلاث مرات بين سنة 1980 وسنة 2003، فهل نعطيه قيمة 2000 دينار أم نعطيه 2000 دينار مضاعفة ثلاث مرات، فتصبح 6000 ستة آلاف دينار، هل يجوز لنا التصدق بقيمة المال في حال رفضه قبوله المبلغ المقدم له، أفتونا مأجورين جزاكم الله عنا كل جزاء وفي حفظ الله دمتم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالخلاف الدائر بين صديق والدك مع والدتك حول المبلغ وسبب دفعه لوالدك هل هو للمشاركة أو دين أو إيجار لمكتبه؟ هذا كله لا نستطيع أن نحكم فيه بشيء حتى يتبين الصادق من الكاذب، وهذا لا يفصل فيه إلا المحكمة الشرعية معتمدة على مبدأ البينة على المدعي واليمين على من أنكر، ولذا فإننا ننصحكم جميعاً بالتصالح، قال الله تعالى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ، فإن لم يحصل الصلح فارفعوا أمركم إلى المحكمة لتفصل بينكم أو حكموا من العدول من يفعل ذلك، وعلى العموم إذا توصلتم إلى معرفة سبب دفع هذا الرجل للمبلغ، فإن كان للمشاركة فهو شريك إلا إذا كان بغير إذن صاحب الحق، وإذا كنتم قد بعتم المحل فإن تصرفكم إنما ينفذ في نصيبكم دون نصيبه، وإذا كان للإجارة فقد استوفى المنفعة إلا إذا كان قد بقي له وقت لم يستوفه فيجب أن يمكن منه ولو حصل البيع للمحل، فإذا لم يكن المشتري يعلم بهذا الوقت فيتحمل الأجرة البائع، وإذا كان ديناً فليس عليكم إلا رد المبلغ المستلف...

وأما عن ارتفاع سعر العملة وانخفاضها فإنه لا أثر له في الدين، فمن استدان عملة فإنه يردها كما أخذها ولا تجب عليه الزيادة ولو نقصت قيمتها، ولا يجوز له النقص ولو زادت قيمتها، وقد تقدم الكلام عن ذلك في الفتوى رقم: 20224.

وإذا كان ما يجب عليكم دفعه هو الألفان فأبى عن قبولها فلا تتصدقوا بها بل أمسكوها عندكم، وليكتب من هي تحت يده أمرها حتى لا يضيع، ثم إذا مات هذا الرجل دفعت لورثته.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني