الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يجب على المرأة طاعة والديها في مفارقة زوجها؟

السؤال

قبِل والدي وإخوتي بزواجي من زوجي بعد أن حاول عدة مرات، وتم الزواج الشرعي مستكملًا الشروط، وبدأت المشاكل بعد ذلك، ووجدت نفسي مشتتة بين عائلتي ووالدي؛ بسبب المشاكل والخلافات.
أنا أريد التوفيق في حياتي بين طاعة والدي الكبير في السن، وطاعة زوجي ومتطلباته، إلا أن أبي لا يريد مني أن ألتقي بزوجي، ولا البقاء معه، ولا الخروج معه، ويريد مني العودة إليه، وأظن أن والدي كان متخوفًا من دخول زوجي بي بسرعة، إلا أن هذا لم يكن مشروطًا من أبي يوم العقد، ولا من شروطي.
وكانت قناعتي إقامة أحكام الله، وأن لا أمنع زوجي مني، وكنت أحاول التوفيق بين طلبات زوجي وطلبات أبي الذي كان يرفض أن أقضي وقتًا مع زوجي؛ حتى خروجي مع زوجي كي نتعارف على بعض، ونكوّن علاقات.
ويرفض والدي كذلك أن أتزوجه زواجًا مدنيًّا من اليوم الذي اختلفوا فيه على مسألة الهوية، فزوجي موجود على الأراضي الفرنسية بإقامة إيطالية مؤقتة، ولكن مع بداية كوفيد 19 والحواجز، لم يستطع تجديدها؛ لأنه كان مشغولًا بعمله، وكان يظن أن مسألة تجديد الأوراق ليست لها الأولوية
وبالنسبة لي، فلم يكذب عليّ، وهو حاصل على جواز سفر تونسي مجدد.
أما بالنسبة لأبي، فقد أحس أنه خانه مرة ثانية؛ لأنه لم يكن يعرف أن لديه إقامة دائمة.
استعملت كل الوسائل، لكنني تهت بين عائلتي التي لا تريد مباركة زواجي، وإخوتي الذين يدفعونني لتركه، والافتراق عنه.
أنا حزينة وتائهة، فقد ضغطوا عليّ جدًّا، واحترت بين صلة والدي ورحمي الذي يهددني عاطفيًّا، وترك زوجي، والابتعاد عنه.
وقد ألغوا حفلة العرس الذي كان سيحصل هذه الأيام، وأبعدوني عنه، وغيّروا رقم جوالي.
أحد إخواني يقول لي: إذا كانت هنالك مشاكل، فالله يريد بك الخير، وعائلتي ضد هذا الزواج، لكن قلبي لا يريد الفراق، ولا أستطيع نطق الطلاق الذي يريده والدي.
أنا يائسة، وأتألم كثيرًا بداخلي، وأتمنى الرجوع إلى الله تائبة على ما اقترفت يداي، وهذا ما يجعلني في صعوبات اليوم، ولا أريد هذا الفراق الإجباري.
وأبي وأخي ذهبا لمقابلة زوجي، وإرجاع الخاتم الذي كنت أرتديه، وقالوا له: إن كل شيء انتهى؛ لأنك لم تحترمنا، وكذبت علينا، وقالا له أيضًا: إن الزواج فسخ بنفسه، وقالا لي: إنه استمع إليهما جيدًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كنت قد عقد لك على هذا الرجل العقد الشرعي بإذن وليّك، وحضور الشهود. فقد أصبحت زوجة له؛ فلا يجوز لك طلب الطلاق منه لغير مسوّغ شرعي، فقد وردت السنة بالنهي عن ذلك، ففي الحديث الذي رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه عن ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس، فحرام عليها ريح الجنة.

وليس لأبيك الحق في أن يأمرك بفراقه؛ فالطاعة إنما تكون في المعروف، وقد نصّ الفقهاء على أن المرأة لا يجب عليها أن تطيع أبويها في مفارقة زوجها، قال المرداوي في الإنصاف: لا يلزمها طاعة أبويها في فراق زوجها... اهـ.

وإذا طلب زوجك الدخول بك، وكان قد أدّى لك معجّل المهر، فلا حق لأبيك في الامتناع من تسليمك له، قال ابن قدامة في المغني: إذا تزوج امرأة مثلها يوطأ، فطلب تسليمها إليه، وجب ذلك. اهـ.

فعقد الزواج عقد سماه الله تعالى: ميثاقًا غليظًا، فلا يصح التلاعب به بهذه الطريقة -أي بما يقوله أبوك وإخوتك- من أن كل شيء انتهى؛ لمجرد كذب الزوج عليهم، أو عدم احترامه لهم؛ فالعقد لا يفسخه إلا القاضي، أو الجماعة القائمة مقام القاضي، عند عدم وجوده.

فالذي ننصحك به كثرة الدعاء بأن ييسر الله لك أمر إتمام هذا الزواج، وأن تشفعي ببعض أهل الخير والفضل؛ ليقنعوا أباك بالموافقة على إتمامه، فإن اقتنع فالحمد لله، وإلا فارفعي الأمر إلى المراكز الإسلامية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني