الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الامتناع عن عمل التوكيل للعمّ للضغط عليه لإقناع الأب بتوفير الجهاز لابنتيه

السؤال

منذ سنوات كان هناك مشروع للشباب -توفير شقق للشباب بأسعار قليلة-، وأراد عمّي أن يستفيد من هذا المشروع، ولكنه كان أكبر من السن القانوني، فطلب مني أن أضع اسمي على اللائحة؛ للحصول على شقة، وبعد ذلك أعمل توكيلًا له؛ ليحصل على شقته.
بعد ذلك أراد أبي أن يستفيد أيضًا من هذا العرض، فاستعان بزوجته -ليست والدتي-؛ لتضع اسمها على اللائحة، ثم تعمل توكيلًا له، لكنها طمعت في الشقة، وكلما سألها أبي احتجّت بأنها ستصبح لابنها -أخي من أبي- عندما يكبر.
بعد وفاة أمّي -رحمها الله- كان لنا -أنا وأختي- معاش وميراث، ولم نرَ منه شيئًا؛ لأن أبي أنفق كل شيء على طلبات زوجته التي لا تنتهي، وعشنا حياة صعبة، وارتديت ملابس مستعملة، وحتى الطعام كانت تخفيه.
تحدثت مع أعمامي وعمّاتي؛ لأستعين بهم لإرجاع حقوقي أنا وأختي، فاجتمعوا على أن يكتب والدي السكن الذي نسكن فيه باسمي أنا وأختي، ورغم تظاهر أبي بالموافقة إلا أنه لم يفعل شيئًا، واستخرت الله وسافرت للعمل؛ لأني لم أستطع تحمل مضايقات زوجة أبي لي.
مؤخرًا ضاع من عمّي التوكيل الذي عملته لشقته، وأبي يسألني أن أقوم بعمل التوكيل مرة أخرى من الخارج، وأنا أفكّر في أن أضغط على عمّي بهذا التوكيل؛ لأنني أعطيته اسمي وفرصتي الوحيدة في الحصول على شقة بسعر مناسب لسني، وأريد منه في المقابل أن يساعدني في الضغط على أبي لعمل التوكيل لي ولأختي في الشقة التي نعيش فيها، أو إيجاد حل مع أبي لإرجاع حقوقنا.
لا أدري لماذا أفكّر بهذه الطريقة -ربما هذا شر داخلي-، وأشعر بالحزن الشديد لذلك، ولكن بسبب عمّي فلن أستطيع أن أستفيد من أي مشروع للشباب في حياتي، وبفضل أبي ضاع كل ما أملكه من ميراث أمّي وخالي وجدتي -رحمهم الله-، ولم يترك لنا أي مال في حال تقدّم لنا أحد للزواج، لكن زوجته اتفقت أن تعيد له شقته؛ بشرط أن تصبح لابنها منه -أخي غير الشقيق-، ووافق على ذلك.
طلبت منه أن يضع في البنك مبلغًا يؤمّن به مستقبلي أنا وأختي لجهازنا، أو في حال -لا قدر الله- غدرت بنا زوجته، فلم يوافق.
أشعر بالرعب من المستقبل، وأتهرّب دائمًا من النزول إلى بلادي؛ بسبب شعوري بالضيق الشديد من زوجته، والتي بسببها إلى الآن أتلقى العلاج النفسي.
ولو توفي أبي -لا قدر الله-، فإن زوجته سوف تظل تضيق علينا، وقد تطردنا من البيت، ولن يبقى لنا إلا الشارع، فماذا أفعل؟ وبماذا تنصحونني؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فتنازلك لعمّك عن حقّك في امتلاك الشقة، لا حرج فيه، إذا كان مأذونًا فيه من قبل الجهة المسؤولة عن المشروع.

وبناء على أنها لا تمنع ذلك، وقد رضيت أنت بالتنازل لعمّك عن حقّك في الشقة، ولا يستطيع التصرّف فيها، إلا إذا عملت له وكالة؛ لكونها باقية باسمك؛ فالواجب عليك تمكينه من الانتفاع بشقّته، وعمل التوكيل له، وليس لك الامتناع من ذلك، والتسويف فيه؛ لأن ذلك قد يضيع حقّه.

ومسألة المماطلة في ذلك؛ كي يضغط على الأب ليكتب لك ولأختك شيئًا من ماله، أو يعيد لكما حقّكما؛ لا يبيح لك منع العمّ من حقّه.

ثم إن ما تطلبينه من الأب، لم نتبين مدى مشروعيته، وهل يباح أو لا؟ لأن تخصيصه لكما بشيء من ماله -كعقار، أو غيره- دون أن يعطي ابنه من زوجته الثانية مثل ذلك، لا يجوز.

ومخاوفك من ظلم زوجته لك، ولأختك، لا تبيح ذلك.

ونصيحتنا لك أن تعرضي صفحًا عن التفكير والخوف من المستقبل، الذي يحمل على الحزن والهم؛ فهذا خوف سلبي، كما أن الخوف من انقطاع الرزق في المستقبل أمر خطير، مناقض لما يجب أن يكون عند العبد من اليقين بالله، وبربوبيته، وأنه تكفل له برزقه، وأنه لا مانع لما أعطى، ولا رادّ لما قضى، وأن العبد لن يموت حتى يأخذ جميع رزقه الذي كتب له عند نفخ الروح فيه.

ويدل لهذا صريح الوحي كتابًا، وسنة، قال الله تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6]، وقال: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ [العنكبوت:60]، وقال: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا [فاطر:2]، وقال: وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ [يونس:107].

وفي الحديث: إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ، فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بأرْبَعِ كَلِماتٍ: بِكَتْب رِزْقِهِ، وَأجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٍّ أَوْ سَعِيدٍ. رواه مسلم من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-.

وهنالك جزئيات وردت في رسالتك، لم نجب عنها، ولم نقف عندها؛ بسبب تشعب السؤال.

ولأننا لا نجيب عن أكثر من سؤال واحد؛ لكثرة الأسئلة المتراكمة لدينا.

ويمكنك التواصل مع أحد من أهل العلم مباشرة؛ ليسمع السؤال، ويستفصل منك عما يحتاج إلى استفصال؛ ومن ثم يجيبك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني