الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مقاطعة الأولاد أمّهم لأنها تطلقت من أبيهم وتزوجت

السؤال

تزوجت فتاة عنيدة، سريعة الغضب، وأنجبت لي ثلاثة أولاد، ودام زواجنا أكثر من 20 سنة، إلا أن التزامها بالواجبات الشرعية تراجع في السنين الأخيرة من زواجنا، وامتنعت عن الإنجاب؛ مما دعاني للزواج عليها، إلا أنها رفضت، فأعطيتها فرصة؛ كي تتدارك ما وقعت فيه من أخطاء، وتصححها، ومضت ثلاث سنوات ولم تتغير، وطلبت الطلاق، فأغلقت باب الزواج عليها، واخترت الصبر؛ كي أحافظ على نسيج العائلة.
بعد أن أخبرتْ أهلها بمشاكلنا، كان لهم دور سلبي جدًّا في الموضوع، وبقينا على حالنا هذا؛ وطلبت مني أن أطلقها مرارًا، وكنت أرفض؛ تجنبًا للعواقب على نفسية الأولاد.
ذهبت للشيخ الذي زوّجنا، وأخذت حكم خلعها دون علمي، فأخبرتها أن الخلع باطل، وغير مبني على أدلة شرعية صحيحة، فطلبت مني أن أطلقها، وأن لا أخبر أهلها أنها هي من تريد ذلك.
وإذا لم أحقق لها ما تطلب، فإنها ستأتي إلى المسجد وتفضحني، وتفضح نفسها، وتسقط مكانتي هناك، خصوصًا أني كنت أخطب الجمعة فيهم أحيانًا.
وقامت بأمور غير طيبة من التحدث إلى أكثر من رجل في الهاتف، ثم أجرت عمليات تجميل للأنف والوجه؛ حتى أصبحت تبدو إنسانة أخرى، مما جعلني أنفر منها، ورضخت لطلب طلاقها؛ بشرط أن لا تقوم بشيء يكسر خاطر الأولاد، ويغضبهم، وماطلتها عشرة أيام؛ كي تغير رأيها، ولكن دون فائدة، حتى كتبت لها أنها طالق، بناء على طلبها.
أنا لم أكن أنوي تطليقها، وربطت الطلاق بالشرط الذي ذكرته آنفًا، ولكنها أتعبتني كثيرًا، فقلت: أستجيب لطلبها، ثم أتزوج، ثم أرجعها لعصمتي، وستوافق من أجل الأولاد، إلا أنني كنت مخطئًا، فما إن انتهت العدة؛ حتى تزوجت مباشرة بعد أيام؛ بحجة أنها بحاجة لزوج جنبها، وما إن انتهت العدة حتى طلبها رجل من أهلها وتزوجها، فخيّرها الأولاد بينهم وبين ذلك الرجل، فاختارت الرجل دون تردد؛ فتركها الأولاد، وسكنوا معي، وقاطعوها.
طلبت منها فسخ الأمر، وأن نعود أسرة كما كنا، فرفضت، ثم بينت لها بعد أشهر أني طلقتها تحت تهديدها، وربطت التطليق بشرط، وهي قد كسرت ذلك الشرط، فكسرت قلب الأولاد، وأغضبتهم، وأخبرتها أن زواجها غير صحيح، ونصحتها بمراجعة الأمر، وأن لا تنجب، ولكنها لم تهتم، وأنجبت ولدًا -عمره سنتان-، فهل كان الطلاق صحيحًا؟ وهل زواجها من ذلك الرجل صحيح؟
أنا لم أخبر أهلها إلى الآن بهذه التفاصيل؛ بسبب حساسية الموضوع، وهم لم يتواصلوا معي بعد فراق ابنتهم لي، وكأنني لم أكن صهرهم لأكثر من عشرين سنة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الفصل في قضايا المنازعات، محلُّهُ المحاكمُ الشرعية، أو من ينوب منابها؛ وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الدعاوى، والبينات، والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.

وأما المفتي، فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوّره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء؛ ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا، وما سنذكره هنا إنما هو على سبيل العموم، والإرشاد، والتوجيه.

فإن كان الأمر على ما ذكرت من أن هذا الطلاق كان كتابة؛ فكتابة الطلاق كناية من كناياته، لا يقع بها، إلا مع نية إيقاعه، كما سبق أن بينا في الفتوى: 8656.

ولكن قولك: (وربطت الطلاق بالشرط الذي ذكرته آنفًا، ولكنها أتعبتني كثيرّا، فقلت: أستجيب لطلبها، ثم أتزوج، ثم أرجعها لعصمتي، وستوافق من أجل الأولاد، إلا أنني كنت مخطئًا، فما إن انتهت العدة حتى...)، يدل على أنك نويت بذلك طلاقها؛ فيكون الطلاق قد وقع.

واشتراط عدم كسرها خاطر الأولاد، لا أثر له على الطلاق، وهذا الأمر مطلوب منها -اشترطته عليها أم لم تشترطه-.

وننبه إلى أهمية مراعاة الدِّين والخُلُق عند الإقدام على الزواج بالسؤال عمن يريد خطبتها؛ لمعرفة حالها في الدِّين والخُلُق، واستخارة الله سبحانه في الزواج منها؛ فذلك من أسباب التوفيق، ولمزيد الفائدة، انظر الفتوى: 24855.

وعدم مراعاة هذه الأسس في الاختيار، يترتب عليه في الغالب ما يوجب الندم.

ونوصي بتربية هؤلاء الأولاد على الإيمان، والخير، وتذكيرهم بالبرّ بأمّهم، والعمل على الحيلولة دون تأثرهم بهذا الفراق.

وننبه أيضًا إلى أنه لا يجوز لهؤلاء الأولاد مقاطعة أمّهم؛ ففي هذا نوع من العقوق، يأثم صاحبه، إن كان بالغًا مكلفًا.

ومن حق أمّهم الإقدام على الزواج؛ فليست مسيئة بذلك.

وعلى فرض كونها مسيئة؛ فذلك لا يسقط عن أولادها وجوب برّها وصلتها، كما هو مبين في الفتوى: 299887.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني