الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

اكتشفت أنني أمسح رأسي بطريقة غير التي كنت أشاهدها عبر الإنترنت، حيث رأيت أن المتوضئين فيها يُقربون إبهامهم إلى ناحية الأذن؛ لكي يستوعبوا مسح جانبي الرأس.
أما أنا فلم أكن أفعل هذا، حيث لم أكن أستخدم إبهامي في المسح؛ لذلك كنت أترك أجزاء من جانبي الرأس، وكنت أكتفي بغسل ما فوق الرأس وما وصلت إليه يدي.
فما حكم ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد اختلف أهل العلم في الواجب في مسح الرأس: هل يجب الاستيعاب. وهو مذهب المالكية والحنابلة، أو يجزئ مسح البعض. وهو مذهب الشافعية، ومذهب الحنفية، ورواية عن أحمد.

قال ابن قدامة في المغني: ‌لا ‌خِلافَ ‌في ‌وُجُوبِ ‌مَسْحِ ‌الرَّأْسِ، ‌وقد ‌نَصَّ اللهُ -تعالَى- عليهِ بقولِه: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}.

واخْتُلِفَ في قَدْرِ الوَاجِبِ؛ فرُوِيَ عن أَحْمدَ وُجُوبُ مَسْحِ جَمِيعهِ في حَقِّ كُلِّ أحَدٍ، وهو ظاهِرُ قَوْلِ الخِرَقِيِّ، ومَذْهَبُ مالِك، ورُوِىَ عن أحمد: يُجْزِئُ مَسْحُ بَعْضِه. قال أبُو الحارِث: قُلتُ لأَحْمدَ: فإنْ مَسَحَ برَأسِه وتَرَك بَعْضَه؟ قال: يُجْزِئُه، ثم قال: ومَنْ يُمْكِنُه أن يَأْتِيَ علَى الرَّأْسِ كُلِّه! وقد نُقِلَ عن سَلَمةَ بن الأَكْوَع، أنه كان يَمْسَح مُقَدَّمَ رَأْسِه، وابنُ عُمَرَ مَسَح اليَافُوخَ.

ومِمَّنْ قال بمَسْحِ البَعْض: الحَسَنُ، والثَّوْرِيُّ، والأَوْزَاعِيُّ، والشافِعِيُّ، وأصحابُ الرَّأيِ،... وإذ قُلْنَا بِجَوَازِ مَسْحِ البَعْضِ، فَمِنْ أيُّ مَوْضِعٍ مَسَحَ أَجْزَأَهُ؛ لأن الجَمِيعَ رَأْسٌ. انتهى منه بتصرف يسير.

وعليه؛ فالمسألة محل خلاف بين أهل العلم، وعلى القول بإجزاء مسح البعض، فوضوؤك صحيح، وليس عليك إعادة ما سبق من صلوات بذلك الوضوء الذي لم تستوعب فيه جميع الرأس، ولكن فيما يستقبل ينبغي مراعاة الطريقة الأكمل والأحوط وهي استيعاب جميع الرأس.

وأما طريقة المسح التي فيها إلصاق الإبهامين بالصدغين (جانبي الرأس)، ومد الأصابع حتى يلتقي إصبعا السبابة (المسبحة) من كل كف، وجعل الإبهامين محور ارتكاز للكفين بحيث يمكن تحريكهما من مقدم الرأس إلى القفا؛ فهي طريقة من اجتهاد بعض الفقهاء لأجل استيعاب الرأس بالمسح، ولكنها ليست واجبة، بل كيفما أتى بالمسح على وجهه المطلوب، فقد أتى بما عليه.

قال المرداوي في كتابه (الإنصاف): كَيْفَمَا مَسَحَهُ أَجْزَأَ، وَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ مُسَبِّحَتَيْهِ، وَيَضَعَهُمَا عَلَى مُقَدِّمِ رَأْسِهِ، وَيَجْعَلَ إبْهَامَيْهِ فِي صُدْغَيْهِ. ثُمَّ يُمِرَّ بِيَدَيْهِ إلَى مُؤَخِّرِ رَأْسِهِ. ثُمَّ يُعِيدَهُمَا إلَى حَيْثُ بَدَأَ. انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني