الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذهب الشافعية في الطلاق قبل النكاح

السؤال

قرأت في موقعكم بابا من كتاب الحاوي الكبير. وأريد أن أفهم هل الشافعية يوقعون الطلاق على المرأة الأجنبية عند إضافته للملك؟ أم لا يقع؟
أرجو التوضيح، وسوف أكتب لكم جزءا منه. أَصْلُهُ إِذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ دَخَلَتِ الدَّارَ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَهَا، أَوْ قَالَ لَهَا: إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ. ثُمَّ جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَهَا؛ لَمْ تُطَلَّقْ مُوَافِقَةً لَنَا، فَكَذَلِكَ فِيمَا خَالَفَنَا. [ ص: 28 ] فَإِنْ قِيلَ: الْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فِيهِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَافٍ إِلَى مِلْكِهِ، وَوَقَعَ فِي الْفَرْعِ؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إِلَى مِلْكِهِ، وَلَوْ كَانَ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ وَأَنْتِ زَوْجَتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ دَخَلَتِ الدَّارَ؛ طُلِّقَتْ، لِأَنَّهُ قَدْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إِلَى مِلْكِهِ، يُوَضِّحُ هَذَا الْفَرْقُ فِي الطَّلَاقِ بَيْنَ إِضَافَتِهِ إِلَى مِلْكِهِ فَيَقَعُ، وَبَيْنَ أَلَّا يُضَافَ إِلَى مِلْكِهِ، فَلَا يَقَعُ اتِّفَاقًا عَلَى مِثْلِهِ فِي النَّذْرِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ : إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ عَبْدَ زَيْدٍ، فَشَفَى اللهُ مَرِيضَهُ، وَمَلَكَ عَبْدَ زَيْدٍ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقُهُ، وَلَوْ قَالَ: إِنْ شَفَى اللهُ مَرِيضِي، وَمَلَكْتُ عَبْدَ زَيْدٍ، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَهُ، فَإِنْ شَفَى اللهُ مَرِيضَهُ وَمَلَكَ عَبْدَ زَيْدٍ لَزِمَهُ عِتْقُهُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا : أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَا أَضَافَ الْعَبْدَ إِلَى مِلْكِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقُهُ، وَفِي الثَّانِي أَضَافَهُ إِلَى مِلْكِهِ، فَلَزِمَهُ عِتْقُهُ. كَذَلِكَ الطَّلَاقُ.
فَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَقْدُ الطَّلَاقَ بِالصِّفَةِ قَبْلَ النِّكَاحِ صَحِيحًا، كَعَقْدِهِ بَعْدَ النِّكَاحِ؛ لَمْ يَقَعِ الْفَرْقُ قَبْلَ النِّكَاحِ وَبَيْنَ إِضَافَتِهِ إِلَى مِلْكِهِ، وَبَيْنَ إِطْلَاقِهِ، كَمَا لَمْ يَقَعِ الْفَرْقُ بَعْدَ النِّكَاحِ بَيْنَ إِضَافَتِهِ وَإِطْلَاقِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهُوَ بَعْدَ النِّكَاحِ مَالِكٌ، فَأَغْنَى وُجُودُ الْمِلْكِ عَنْ إِضَافَتِهِ إِلَى الْمِلْكِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.....

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالشافعية لا يوقعون الطلاق قبل النكاح؛ سواء علّقه على التزوج بمعينة، أو مبهمة، فإن قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، ثمّ تزوجها لم تطلق، وكذا إن قال لأجنبية: إن دخلت الدار وأنت زوجتي فأنت طالق، فتزوجها ثم ّ دخلت الدار؛ لم تطلق، لأنّ الطلاق لا يقع قبل النكاح، ولا ينعقد قبله.
جاء في الحاوي الكبير: قال الشافعي -رحمه الله-: ولو قال كل امرأة أتزوجها طالق، أو امرأة بعينها، أو لعبد إن ملكتك حر. فتزوج، أو ملك لم يلزمه شيء؛ لأن الكلام الذي له الحكم كان وهو غير مالك، فبطل. انتهى.

وفي حاشية البجيرمي على الخطيب: لو قال لأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق، وإن تزوجت فلانة فهي طالق، أو كل امرأة تزوجتها فهي طالق. ثم تزوج المعينة، أو غيرها؛ لم يقع الطلاق عليه. انتهى.

والنصّ المذكور في السؤال من كلام الماوردي -رحمه الله- مشتمل على كلام المخالف للشافعية في هذه المسألة، وما يمكن أن يحتج به عليهم، ثمّ أعقبه الماوردي بالرد على تلك الحجج، حيث قال: فإن قيل: المعنى في الأصل أنّ الطلاق...... فالجواب عنه أنّه لو كان عقد الطلاق بالصفة.... فإن قيل فهو بعد النكاح مالك.... فالجواب عنه أن وجود الملك في الزوجة لا يغني عن اشتراط الملك ......فقد علمت أن وجود الملك في الزوجة لا يقوم مقام اشتراط الملك فيها فبطل ما قالوه من الاستغناء بوجود الملك عن اشتراط الملك.......وقياس ثان وهو أن كل ما لم يصح منه إيقاع الطلاق المعجل لم يصح منه عقد الطلاق المؤجل. انتهى مختصرا.

وعليه؛ فالكلام المشار إليه في السؤال لا يقرر مذهب الشافعية في هذه المسألة، بل ينقل كلام من خالفهم، ويجيب عنه؛ كما بينا.

ونسأل الله تعالى أن يفقهك في دينه، وأن يزيدك علما. فقد قال الله تعالى: يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {المجادلة:11}، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. رواه البخاري ومسلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني