الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ردّ اللقطة إلى موضع التقاطها عند العجز عن تعريفها

السؤال

ذات يوم وجدت لقطة في الطريق في وقت الفجر، وأخذتها؛ جاهلًا بطريقة تعريف اللقطة؛ ظنًّا مني أن تعريف اللقطة يكون بالنظر في المكان الذي وجدتها فيه -إن كان هناك من يبحث عنها-، وعند الشك في حضور صاحبها، فإني أسأله بضعة أسئلة، وأعطيها له بعد التأكد من كونه صاحبها، لكنني رأيت أن مسألة تعريف اللقطة صعبة، فهل هناك حرج في إعادة اللقطة إلى المكان الذي وجدتها فيه، رغم مرور أيام كثيرة منذ أن وجدتها، ورغم احتمال أخذها ممن سيجدها؛ لأنني إذا أردت التعريف بها، فعليَّ أولًا إنفاق بعض المال لنسخ الأوراق التي سيكتب عليها التعريف، وإن لم أفعل، فعليّ الذهاب الى الأماكن العامة، والتعريف بها، وهذا قد يكون صعبًا عليّ؛ فأنا خجول بطبيعتي، فأرجو ذكر الخلاف -إن وجد-، والرد السريع قبل مرور وقت طويل على زمن العثور عليها. جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن أخذ اللقطة ليحفظها على صاحبها؛ فجمهور أهل العلم على وجوب التعريف عليه، خلافًا للشافعية؛ فأكثرهم على عدم الوجوب، قال النووي في «منهاج الطالبين»: ومن أخذ لقطة للحفظ أبدًا، فهي أمانة، فإن ‌دفعها ‌إلى ‌القاضي، ‌لزمه القبول، ولم يوجب الأكثرون التعريف -والحالة هذه-. اهـ.

قال ابن الملقن في شرحه: «عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج»: ولم يوجب الأكثرون التعريف -والحال هذه-؛ لأنه إنما يجب لتحقق شرط الملك، والحديث إنما ألزمه بالتعريف لما جعلها له بعده.

والمختار الوجوب؛ لئلا يكون كتمانًا مفوّتًا للحق على صاحبه.

نعم؛ قد يقال: الكتمان إنما يكون إذا طلب منه، فكتم، وبدونه لا يكون كتمانًا. ويبعد أن يجب عليه أن يعرف لأجل غيره، وينبغي أن يقال: الواجب عليه أحد أمرين: إما التعريف، وإما رفع يده عنها. اهـ.

وهذا هو الظاهر، نعني أن الواجب عليه: إما التعريف، وإما رفع يده عنها.

وعلى هذا؛ فإن كان السائل لا يستطيع القيام بواجب التعريف؛ فليس أمامه إلا رفع يده عنها، وهذا يكون بتسليمها للقاضي، أو من ينوب منابه -إن وجد-، وإلا فليس أمامه إلا ردّها إلى موضع التقاطها، على خلاف بين أهل العلم في إجزاء ذلك عنه في ضمانها، جاء في الموسوعة الفقهية: يرى أبو حنيفة في ظاهر الرواية، ومالك أن الملتقط إذا أخذ اللقطة، ثم ردّها إلى مكانها الذي أخذها منه؛ فلا ضمان عليه؛ لأنه أخذها محتسبًا متبرعًا؛ ليحفظها على صاحبها، فإذا ردّها إلى مكانها؛ فقد فسخ التبرع من الأصل، فصار كأنه لم يأخذها أصلًا ...

ويرى أحمد، والشافعي أن الملتقط إذا ردّ اللقطة بعد أخذها، فضاعت، أو هلكت؛ ضمنها؛ لأنها أمانة حصلت في يده؛ فلزمه حفظها. فإذا ضيعها؛ لزمه ضمانها، كما لو ضيع الوديعة. اهـ.

وقال ابن المنذر في «الإشراف على مذاهب العلماء»: اختلفوا في اللقطة يأخذها، ثم يردّها حيث وجدها، فقالت طائفة: هو ضامن، روينا هذا القول عن طاووس، وهو مذهب الشافعي. وقال مالك: لا ضمان عليه.

قال أبو بكر -ابن المنذر-: الأول أصح. وروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال لرجل وجد بعيرًا: "‌أرسله ‌حيث ‌وجدته"، وبه قال مالك. وقال الشافعي: إن أرسله؛ ضمن.
قال أبو بكر: من قلّد الواحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال بقول عمر، ومن جعل الأشياء على النظر؛ ضمنه. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني