الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

درجة حديث البطاقة ومعناه

السؤال

لديَّ قناة على اليوتيوب، ونشرت حديث البطاقة الشهير الذي يقول فيه النبي: "إذا جاء يوم القيامة، يؤتى برجل، ينشر له تسعة وتسعون سجلا ...، فأتتني العديد من التعليقات بأن الحديث يبطل جانب العمل، وأنه يخالف العديد من الآيات القرآنية، وبعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف الرد عليهم؟ بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذا حديث صحيح، رواه جمع كبير من أهل العلم، كالإمام ابن المبارك في الزهد، والإمام أحمد في المسند، والترمذي، وابن ماجه في سننيهما، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان، والحاكم على شرط مسلم، ولم يتعقبه الذهبي.

وأفرده الحافظ أبو القاسم الكناني في «جزء البطاقة» بطرقه، وقال: وهو من أحسن الحديث. اهـ.

وحسنه، وصححه جماعة من أهل العلم، كالحافظ الذهبي في معجم شيوخه، وابن ناصر الدين الدمشقي في (منهاج السلامة في ميزان الاستقامة)، وابن بلبان المقدسي في "المقاصد السنية"، والعراقي، والسخاوي، والسيوطي، ومرتضى الزبيدي في أماليه. ومن المعاصرين الشيخ أحمد شاكر، والألباني، والأرناؤوط.

وإذا صحّ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبدا بين ظاهره وبين ظاهر غيره من نصوص الشرع شيء من التعارض في الدلالة؛ فلا يُرَدُّ شيء من النصوص، ولا يُضرَب بعضها ببعض، وإنما يجمع بينها، ويُوفَّق بين معانيها بحيث يعمل بها جميعًا، وهكذا الحال هنا.

فمن أهل العلم من حمل حديث البطاقة على حال إيمانية عالية، ويقين جعل ثواب الشهادتين فيها مقتضيًا لطيش مثل هذه السجلات، وإلا، فكل مسلم يشهد الشهادتين، ومنهم من يدخل النار بذنوبه؛ حتى يطهّر منها، ثم يدخل الجنة، قال الحكيم الترمذي في (نوادر الأصول): هذا عبد كثرت سيئاته حتى غمرته؛ فأدركه غوث تلك الكلمة، وليست تلك بأول مما قالها، ولكنها كانت مقالة طاهرة، خرجت من زكاوة قلبه في ساعة من عمره؛ فأنجته، فحاطت ذنوبه، وهدمتها، وطاشت بالسجلات يوم الوزن، لوزن تلك الكلمة، وإنما ثقلت لعظم نورها؛ لأنها خرجت من نور استنار قلبه بالنطق بها، وإذا أراد الله بعبد خيرًا، منَّ عليه في ساعة من عمره ونبّهه، فإذا انتبه، انفتح قلبه، واستنار صدره من تلك الفتحة، فإذا انفتح القلب، خرج النور إلى الصدر، فأشرق، فأي كلمة نطق بها في ذلك الوقت، فإنما ينطق على شرح الصدر، والمعاينة لصورة تلك الكلمة، تسمى كلمة الإخلاص، وكلمة يقين، تثقل في الوزن يوم الوزن، وتكون سببًا لنجاة صاحبها، وهذا لا يكون في شهادة التوحيد؛ إذ لو كان لها لاستوى الناس فيها. اهـ. وانظر للفائدة الفتوى: 166763.

واستظهر هذا المعنى القاري في المرقاة، وقال: وهو الأظهر في مادة الخصوص من عموم الأمة ... ثم هذا الحديث يحتمل أن تكون البطاقة وحدها غلبت السجلات، وهو الظاهر المتبادر، ويحتمل أن تكون مع سائر أعماله الصالحة، ولكن الغلبة ما حصلت إلا ببركة هذه البطاقة. اهـ.

وهذا الاحتمال الثاني وجه آخر للجمع.

ومن أهل العلم من حمل ذلك على من كان آخر كلامه من الدنيا هو الشهادة، قال القرطبي في التذكرة: ويجوز أن تكون هذه الكلمة هي آخر كلامه في الدنيا، كما في حديث معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان آخر كلامه في الدنيا: لا إله إلا الله؛ وجبت له الجنة. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني