الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طلاق الزوجة بسبب عدم جمالها وعدم السرور عند رؤيتها

السؤال

أنا متزوج منذ سنة، وقد تعرفت إلى زوجتي عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي بنية الزواج، وبعد بضعة أشهر تزوجنا، وأنا على دراية أن علاقتنا قبل الزواج غير جائزة، وقد تبت إلى الله.
قبل الزواج كنت أرى زوجتي جميلة، وصليت صلاة الاستخارة، وكنت مطمئنًا لخياري، ثم بعد الزواج لم أصبح أرى جمالها كما كنت أراه من قبل، وعدت أرى عدة عيوب، وصرت متذبذبًا، فأحيانًا أراها مقبولة، خاصة عندما تسرّح شعرها، وعندما لا تمشط شعرها، وتكون دون مكياج، أحس بالانزعاج عند رؤيتها، ولا يوجد ما أعيبها في خُلُقها، ودِينها، ما عدا بعض المناوشات النادرة، وأحيانًا أرى فتيات جميلات في الشارع، وأقول في نفسي: لو انتظرت قليلًا، وتزوجت بهذه، أو بتلك؟
لقد قصصت مشكلتي على صديق لي، فقال لي: إنه مَرَّ بنفس المشكلة، لكنه صبر، وصار يرى زوجته جميلة مع الوقت، ونصحني أن لا أتسرع، وأن الله قدّرها لي، فيجب أن أقبل القدر، خاصة أنني استخرت الله، وقال الله عز وجل: (وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الودود الولود)، وهي ودود معي، ولكن من جهة أخرى قال أيضًا: (خير ما يكنز المرء المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرّته)، فإذا لم تكن تسرّني إذا نظرت إليها، فهل هي لا تليق بي؟ وأحسّ أن أمّي غير معجبة بزوجتي، والعلاقة بينهما ضعيفة، وكنت آمل أن تكون بينهما صداقة؛ فكل هذه المعطيات جعلتني حائرًا، ودخل في ذهني إمكانية الطلاق، وفكرة الطلاق مغرية ومخيفة، فهي تظهر حلًّا لمشكلتي، لكن من جهة أخرى أرى نفسي عاجزًا عجزًا كبيرًا على التقدّم لهذه الخطوة؛ لأني إذا فعلتها أشعر بظلمي لزوجتي، وجرح كبير لمشاعرها، وصدمة لها ولعائلتها، وربما أندم بعد ذلك، ولا أدري كيف أقول لزوجتي: إني أريد الطلاق؛ لأنك لا تعجبينني.
أنا خائف خاصة بعد إنجاب الأطفال -إن شاء الله-، فبعدها لن أستطيع العودة إلى الوراء، فهل كل المتزوجين مروا بهذا؟ وهل أستشير طبيبًا نفسيًّا؟
أنا آمل أن يصلح حالي معها، وأن أتعوّد عليها، وأراها جميلة، ومثالية، وأفضّل استبعاد فكرة الطلاق، لكن من جهة أخرى أفكّر أني لو كنت مع امرأة تعجبني لكانت حياتي أسهل، فهل تنصحونني بالصبر أم بالانفصال؟ وكيف؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد ذكرت عن زوجتك جملة من الصفات الطيبة، وهو كونها ذات دِين وخُلُق، وأنها ودودة، هذا بالإضافة إلى أنك كنت تراها جميلة، وربما تكون أوتيت من جهة مقارنتك لها بمن ترى من النساء الأخريات، ولو فتحت على نفسك هذا الباب؛ فربما لا تنتهي حسراتك، فإن تزوجت جميلة غيرها، وقارنتها بغيرها؛ فربما وقعت في مثل ما أنت فيه الآن.

وإذا كنت تنظر إلى النساء نظرًا محرمًا؛ فربما كان ذلك عقوبة؛ فمن أطلق نظره؛ أورده موارد الهلاك، كما يقول ابن القيم في كتابه الماتع: "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي"، وقد نقلنا كلامه بتمامه في الفتوى: 93857. فيمكنك مراجعتها.

فنصيحتنا لك أن توطّن نفسك على زوجتك، وأن تطلب منها أن تتزيّن لك؛ فذلك من المعاشرة بالمعروف، روى البيهقي في السنن الكبرى عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: إني لأحب أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تزين لي؛ لأن الله عز وجل يقول: {ولهنّ مثل الذي عليهن بالمعروف}.

وإذا تزينت سرّتك - كما ذكرت-، وهذا يعني أن كونها لا تسرّك أحيانًا لا لكونها قبيحة، ولكن لأمر عارض.

ثم إن السرور المذكور في الحديث لا يقتصر سببه على جمال صورتها، بل هنالك أشياء حسنة غير الجمال تكون سببًا لذلك، قال شمس الحق أبادي في عون المعبود شرح سنن أبي داود: قوله (بخير ما يكنز المرء) أي: بأفضل ما يقتنيه، ويتخذه لعاقبته (المرأة الصالحة) أي: الجميلة ظاهرًا وباطنًا ... قيل: فيه إشارة إلى أن هذه المرأة أنفع من الكنز المعروف؛ فإنها خير ما يدّخرها الرجل؛ لأن النفع فيها أكثر؛ لأنه (إذا نظر) أي: الرجل (إليها سرته) أي: جعلته مسرورًا لجمال صورتها، وحسن سيرتها، وحصول حفظ الدِّين بها... اهـ.

والطلاق مباح، ولكنه يكره لغير حاجة، بل ومن العلماء من ذهب إلى أن الأصل فيه المنع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الأصل في الطلاق الحظر، وإنما أبيح منه قدر الحاجة. اهـ.

وهذا لكونه تترتب عليه عواقب سيئة في الغالب؛ فلا ينبغي المصير إليه لأدنى سبب، ولا ننصحك به.

ويمكن أن يكون هنالك بعض الناس مَرَّ بمثل هذا الموقف الذي أنت فيه، وربما يكون قد أخفق في تجاوز مثل هذا الموقف، وأدّى به الحال إلى الطلاق ونحوه؛ فلا تغتر بمثل هذا، ولا تتخذه مثلًا يحتذى.

وفي المقابل هنالك الناجحون الموفقون الذين لا يستسلمون لمثل هذه الهواجس؛ ففي مثل هؤلاء القدوة الصالحة.

وأمرك أهون من أن تحتاج لأن تراجع فيه طبيبًا نفسيًّا، وإنما أنت محتاج لشيء من التروّي والتفكير، وأن تقف مع نفسك وقفات -في ضوء ما ذكرنا-.

ونذكّرك بما ذكرت في أول سؤالك من أنك استخرت الله تعالى في الزواج منها، فبما أنه سبحانه قد اختارها لك زوجة، فهذا يعني أن في زواجك منها خير لك، ترى عاقبته خيرًا -بإذن الله-؛ ففي الزواج كثير من المصالح، ومنها: الذرية الصالحة التي تقرّ بها العين، وينعم بها الرجل في حياته، فإذا كان مع ذلك صلاح الزوجة؛ فهو نور على نور، قال تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا {الفرقان:74}، نقل ابن كثير في تفسيره عن الحسن البصري -وسئل عن هذه الآيةـ فقال: أن يُري الله العبد المسلم من زوجته، ومن أخيه، ومن حميمه طاعة الله، لا والله، ما شيء أقرّ لعين المسلم من أن يرى ولدًا، أو ولدَ ولدٍ، أو أخًا، أو حميمًا مطيعًا لله عز وجل. اهـ.

وأما كون أمّك غير معجبة بزوجتك، أو أن العلاقة بينهما محدودة؛ فهذا أمر عادي؛ ولو تأمّلت حال الكثيرين من سوء العلاقة بين الزوجة وأمّ الزوج، وكثرة المشاكل بينهما؛ لحمدت الله على كون العلاقة بين أمّك وزوجتك على هذه الحال، ولم تصل لهذه الدرجة، ويمكنك بحكمتك أن تنمّي هذه العلاقة لتكون بينهما المودة، والألفة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني