الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

استخدام الأشياء المخلوطة بالكحول لحفظها من الفساد

السؤال

هل يحلّ استخدام الأشياء المخلوطة بالكحول؛ بدعوى أنه حافظ لها من الفساد؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالكحول أنواع: منها المباح الطاهر، ومنها المسكر المحرم، وفي نجاسته خلاف.

واستعمال نسبة من الكحول في المواد الطبية، والعطور، والأطعمة، وغيرها؛ ممّا عمّت به البلوى، وعسر الاحتراز منه.

وما كان كذلك؛ فينبغي التخفيف فيه للقاعدة الفقهية: "المشقة تجلب التيسير"، و"إذا ضاق الأمر اتسع". ولمزيد من الفائدة، يمكن مراجعة الفتويين التاليتين: 156733، 420430.

ثم إن الفقهاء قد ذكروا أن العين إذا استحالت بالعلاج، أو الانغمار في عين أخرى، بحيث لا يبقى لها أثر؛ فإن حكمها يزول، جاء في قواعد ابن رجب: إن العين المنغمرة في غيرها، إذا لم يظهر أثرها؛ فهي كالمعدومة حكمًا. انتهى.

وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى حول تأثير الاستحالة في الأعيان التي انقلبت إلى صلاح: والقول الثاني: وهو مذهب أبي حنيفة، وأحد قولي المالكية، وغيرهم: إنها لا تبقى نجسة، وهذا هو الصواب؛ فإن هذه الأعيان لم يتناولها نصّ التحريم، لا لفظًا ولا معنى؛ وليست في معنى النصوص؛ بل هي أعيان طيبة، فيتناولها نصّ التحليل، وهي أولى بذلك من الخمر المنقلبة بنفسها. وما ذكروه من الفرق بأن الخمر نجست بالاستحالة؛ فتطهر بالاستحالة، باطل، فإن جميع النجاسات إنما نجست بالاستحالة -كالدم-؛ فإنه مستحيل عن الغذاء الطاهر، وكذلك البول، والعذرة؛ حتى الحيوان النجس مستحيل عن الماء، والتراب، ونحوهما من الطاهرات، ولا ينبغي أن يعبر عن ذلك بأن النجاسة طهرت بالاستحالة. فإن نفس النجس لم يطهر، لكن استحال، وهذا الطاهر ليس هو ذلك النجس، وإن كان مستحيلًا منه، والمادة واحدة، كما أن الماء ليس هو الزرع، والهواء، والحب، وتراب المقبرة ليس هو الميت، والإنسان ليس هو المني. انتهى.

وما يضاف من مادة الكحول إلى الدواء، أو الطعام، أو غيره؛ بغرض حفظه، ونحو ذلك؛ يعدّ شيئًا يسيرًا جدًّا، يستهلك في غيره؛ فلا يبقى له حكم.

ومعنى الاستهلاك: أن تختلط العين بغيرها بحيث تفقد صفاتها، وخصائصها المقصودة؛ فتكون كالهالكة، وإن لم تذهب تمامًا، ‌جاء في توصيات الندوة الفقهية الطبية التاسعة حول الاستهلاك: يكون ذلك بامتزاج مادة محرمة، أو نجسة بمادة أخرى طاهرة حلال غالبة؛ مما يذهب عنها صفة النجاسة والحرمة شرعًا، إذا زالت صفات ذلك المخالط المغلوب من الطعم، واللون، والرائحة، حيث يصير المغلوب مستهلكًا بالغالب، ويكون الحكم للغالب، ومثال ذلك: المركبات الإضافية التي يستعمل من محلولها في ‌الكحول كمية قليلة جدًّا في الغذاء، والدواء، كالملونات، والحافظات، والمستحلبات مضادات الزنخ . انتهى من مجلة مجمع الفقه الإسلامي.

وعليه؛ فلا حرج -إن شاء الله تعالى- في الانتفاع بتلك الأشياء التي أضيف إليها شيء يسير من الكحول، فانغمر فيها، وزالت حقيقته بالانغمار، أو بالاستحالة، والمعالجة، خاصة إذا لم يوجد له بديل مباح خالٍ من تلك الإضافات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني