الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الجمع بين الأحاديث التي فيها اللعن وكون رسول الله ليس باللعان

السؤال

قرأت أن أصل أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي ذكر فيها اللعن النهي، وليس اللعن، ولكن تواتر الكلام هو من جعل من النهي لَعْنًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس باللّعان، ثم إن الله سبحانه وتعالى لم يلعن قط مسلمًا عاصيًا في كتابه، بل كانت اللعنة على إبليس، وعلى الكافرين، ومهما كان فعل المسلم، فهو عاصٍ، ولم يلعنه الله قط في كتابه، ولم يلعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيرته قط مسلمًا عاصيًا. والله أعلم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا يخفى ما بين اللعن والنهي من الفرق في اللفظ والمعنى؛ فيبعد أن يعبّر الرواة باللعن بدلًا من النهي؛ فتكون من الرواية بالمعنى! والأصل أن الرواة الثقات يؤدّون الرواية بنحو ما سمعوا؛ فلا يحكم على أحدهم بالخطأ أو الوهم إلا بدليل، فما بالنا بتخطئة جملة من الرواة، ابتداء من طبقة الصحابة إلى أصحاب المصنفات الحديثية!

هذا، مع التنبيه على أن فتح الباب لتوهيم الرواة، والحكم بخطئهم دون دليل؛ ذريعة من ذرائع رد السنة بأسرها.

وأما كون النبي صلى الله عليه وسلم ليس بلعّان؛ فهذا حق لا مرية فيه، وهو القائل -صلى الله عليه وسلم-: إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة. رواه مسلم. وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سبابًا، ولا فحاشًا، ولا لعانًا، كان يقول لأحدنا عند المعتبة: «ما له ترب جبينه». رواه البخاري.

بل هذه صفة المؤمنين بصفة عامة، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: لا يكون المؤمن لعانًا. رواه الترمذي، وصححه الألباني. وقال أيضًا -صلى الله عليه وسلم-: لا ينبغي لصديق أن يكون لعانًا، ولا يكون اللعانون شهداء، ولا شفعاء يوم القيامة. رواه مسلم.

ولكن هذا لا ينفي أن يلعن في بعض الأحيان من يستحق ذلك، ممن جاء الوحي بلعنه، قال النووي في شرح مسلم: (لعانًا) بصيغة التكثير، ولم يقل: (لاعنًا) ولا (لاعنون)؛ لأن هذا الذم في الحديث إنما هو لمن كثر منه اللعن، لا لمرة، ونحوها؛ ولأنه يخرج منه أيضًا اللعن المباح، وهو الذي ورد الشرع به، وهو لعنة الله على الظالمين، لعن الله اليهود، والنصارى، لعن الله الواصلة، والواشمة، وشارب الخمر، وآكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، والمصورين، ومن انتمى إلى غير أبيه، وتولى غير مواليه، وغير منار الأرض، وغيرهم ممن هو مشهور في الأحاديث الصحيحة. اهـ.

وقال الوزير ابن هبيرة في الإفصاح عن معاني الصحاح: اللعان الذي يكثر منه اللعن، فيتجاوز به الحد المشروع، واللاعن: هو الذي يلعن من لعنه الله، ورسوله. اهـ.

وقد جاء اللعن في القرآن لغير الكافرين، والمنافقين، ممن هو من أهل القبلة، كما في قوله تعالى: وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [النور:7]، وقوله سبحانه: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23]، وقوله عز وجل: وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [الرعد: 25].

ومع ذلك كله؛ فينبغي التفريق بين لعن الشخص المعيّن، واللعن على الصفة، فهذا كثير، بخلاف الأول؛ فإنه قليل، والتحريج فيه شديد. وراجعي في ذلك الفتاوى: 142631، 36517، 340930.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني