الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قطيعة بنات العمّ اللاتي يتكلمن في الآخرين

السؤال

أنا لا أتحدّث مع بنات عمّي؛ لأنهن أسأن لي بالكلام، وأَهَنَّ صديقتي، وقذفنها بالباطل في أخلاقها، وقد تيقّنت أن ذلك باطل بعد ذلك.
وكلما جلست معهنّ يتحدثن بالسوء عن بنات عمّي جميعًا، ويشتمنهنّ، ويشتمن أقاربي، وكنت أعنفهنّ على ذلك الشيء، وأنصحهنّ، لكنهنّ يتمادين في فعلهنّ.
وقد علمت أن والدتهنّ تفعل الأسحار لأمّي، ولم أتيقّن من ذلك، ولم يرددن غيبتي إذا اغتابني أحد، أو شتمني؛ رغم أنني -ورب الكعبة- أردّ غيبتهنّ دائمًا، وأذكرهنّ بالحسنى، ولم أفشِ أسرارهنّ، فإذا قاطعتهنّ، فهل ذلك حرام؟ مع العلم أنني سأرد السلام لو سلمن، وأنني لم أقاطع عمّي أبدًا، وقد تطرّقنا للموضوع، وأنني قمت بضربهنّ؛ لأنهن قذفن صديقتي في شرفها، ولم يكففن عن ذلك، رغم أنني أخبرتهنّ أن ذلك لا يصحّ، ونصحتهنّ.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالراجح عندنا أنّ الأرحام الواجب صلتهم هم الأقارب الذين بينهم محرمية -كالإخوة، والأخوات، والأعمام، والعمّات، والأخوال، والخالات-، وأمّا غيرهم -كأولاد الأعمام، والأخوال-؛ فصلتهم مستحبة غير واجبة، وانظري الفتوى: 11449.

وعليه؛ فصلة بنات عمّك ليست واجبة عليك؛ لكن لا يجوز لك هجرهنّ فوق ثلاثة أيام، إلا إذا كان في خلطتهنّ عليك ضرر في دِينك، أو دنياك، لا يزول إلا بهجرهنّ.

ويزول الهجر عند الجمهور بمجرد السلام على الشخص، أو ردّ السلام عليه، وراجعي الفتوى: 430903.

ولا يجوز لك اتهام أمّهنّ بعمل السحر دون بينة.

كما لا يجوز لك ضربهنّ بسبب قذفهن صديقتك، لكن عليك نهيهنّ عن القذف، والغيبة، وغيرها من المنكرات.

وإذا لم ينتهين؛ فليس لك الجلوس معهنّ حال قيامهنّ بهذه المنكرات، قال النووي -رحمه الله- في كتاب: "الأذكار": اعلم أن الغيبة كما يحرم على المغتاب ذكرها، يحرم على السامع استماعها، وإقرارها، فيجب على من سمع إنسانًا يبتدئ بغيبة محرّمة أن ينهاه، إن لم يَخَفْ ضررًا ظاهرًا.

فإن خافه، وجب عليه الإِنكارُ بقلبه، ومفارقةُ ذلك المجلس، إن تمكّن من مفارقته.

فإن قدر على الإِنكار بلسانه، أو على قطع الغيبة بكلام آخر؛ لزمه ذلك. انتهى.

والأصل في النهي عن المنكر أن يكون برفق دون تعنيف، فعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ، يُحِبُّ الرِّفْقَ. وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ. رواه مسلم.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في رسالة: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر": ..جاء في الأثر عن بعض السلف، ورووه مرفوعًا، ذكره القاضي أبو يعلى في المعتمد: "لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيهًا فيما يأمر به، فقيهًا فيما ينهى عنه، رفيقًا فيما يأمر به، رفيقًا فيما ينهى عنه؛ حليمًا فيما يأمر به، حليمًا فيما ينهى عنه. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني