الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الامتناع من تسليم الأب ما يضر بالورثة ليس من العقوق

السؤال

توفيت والدتنا منذ شهرين تقريبا. وكانت تملك أرضا في مدينة بعيدة عنا هي مسقط رأسها، ومسقط رأس والدي.
وبسبب الأوضاع الراهنة في بلدي، يتطلب السفر إليها مقدار 12 ساعة من الوقت أو أكثر مع وجود مخاطر.
المهم ذهب والدي منذ عشرة أيام لزيارة والدته وإخوته وأقاربه، وهو أيضا ينوي الزواج، الشيء الذي استنكره إخوتي، لكن لم يعارضه أحد.
وأثناء إقامته هناك طلب أبي من إحدى أخواتي إرسال عقد شراء أرض أمي، من أجل أن يسجلها في المحكمة، وتصبح مسجلة لدى الدولة؛ لضمان عدم ضياعها، ولكي لا يأتي أحد ويتصرف فيها دون علمنا بسبب بعد المسافة، وبسبب الأوضاع الراهنة في بلدنا.
ولكن إخوتي رفضوا ذلك، وقالوا: ربما باعها وتزوج بثمنها، ونحن ورثتها (نحن سبعة من الإخوة، فتيات وشبان، ولا يوجد بيننا من هو غير بالغ راشد)
وقالوا أيضا إنه ربما غرر به أحد أقربائه واشترى منه الأرض بثمن بخس، كما حدث منذ سنتين؛ إذ كان لوالدي أرض وعرض أقاربه عليه شراءها، وكانوا دائما يبخسون له الأسعار ويضللونه، ولم نعلم بذلك إلا بعد أن باعها، حيث أخبره أخوه: لماذا بعتها بهذا السعر؟ الأرض تباع بضعف الثمن!!
وهناك تجارب أخرى سيئة جعلت إخوتي يعارضون إرسال عقد شراء الأرض لوالدي. ووالدي إنسان خلوق ومصل، وتقي، ولا نزكيه على الله.
وعندما أرادت أختي إرسال وثيقة الأرض لأبي، علم باقي إخوتي بذلك، فهاجموها بالكلام وألقوا اللوم عليها، وقالوا: أضعت أرض أمنا، ووالدنا قد يغرر به. فضعفت، وبدأت بالبكاء وأرسلت الأوراق لي على محادثة العائلة.
الآن والدي يطلب أوراق الأرض ليسجلها باسمه في المحكمة؛ كيلا تضيع ويثبتها. وأنا أريد أن أرسلها، لكن إخوتي بدؤوا بالدعاء علي إن أنا أرسلت الأوراق، وأنهم لن يسامحوني، وأني أكون قد أضعت حقهم بناء على تجارب سابقة.
ولأن أبي أيضا كما يقال قلبه طيب، ويظن في جميع الناس الخير، ويرى أن أقاربه لا يغشونه، ويحبهم ويحسن إليهم رغم كل ما فعلوه به. ويصدقهم في كل شيء. فأنا في حيرة شديدة، أخشى إن لم أرسل الأوراق لوالدي أن أكون قد عققته وأثمت.
وأنا لم أخبره حتى الآن بأن الأوراق أصبحت لدي. وإخوتي لم يقولوا له الحقيقة وقالوا له: لم نجدها.
وإخوتي يعارضونني بشدة من جهة أخرى، ويلومونني، ويحملونني مسؤولية أي ضياع للأرض، أو أي تصرف من قبل والدي بها، أو إن غرر به وباعها، رغم أنه أخبرني أنه لا يريد سوى تسجيلها ليضمنها لنا، وأنه يفعل ذلك من أجلنا.
أخبروني ماذا أفعل وسامحوني على الإطالة.
هل إخوتي لهم الحق في ذلك؟
هل يجوز لوالدي تسجيل الأرض باسمه دوننا؟
هل أكون عاقا إذا لم أرسل الأوراق إطلاقا لأبي خوفا من ضياعها، مع العلم أنه أخبرني أن سعر الأرض منخفض الآن على غير ما نعرف. ربما أخبره أحدهم أنها لا تساوي قيمة كبيرة، مما جعلني أتريث أكثر!
أرجو النصيحة.
وقد خشيت أن يبيعها فعلا، وإلا لماذا يسأل عن السعر!

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذه الأرض صارت ملكاً لجميع ورثة الأمّ حسب أنصبتهم الشرعية من التركة، وليس لأحد من الورثة أن يتصرف فيها دون رضا الآخرين.
فإذا كان أبوك يريد تسجيل الأرض باسمه؛ ولم يرض بعض إخوتك بذلك؛ فليس لك أن تعطيه العقد في هذه الحال.

وامتناعك من تسليمه العقد في حال رفض بعض الورثة؛ ليس فيه عقوق لأبيك، وهذا -أعني امتناع الولد من تسليم والده ما طلبه مما هو حق لغيره- لا يعتبر عقوقا، لكن عليك أن تحسن إليه، وتتلطف في الاعتذار له، وتجتهد في استرضائه، ولا مانع من استعمال المعاريض في سبيل ذلك.
والواجب عليكم برّ أبيكم والإحسان إليه، واجتناب الإساءة إليه، وينبغي أن تجتمعوا على رأي يحقق المصلحة ولا يضر بأحد. وحبذا لو استشرتم بعض العقلاء ذوي الخبرة.
وننبه إلى أنّ الأب إذا كان بحاجة إلى الزواج، ولم يكن عنده ما يحتاجه لأهبة الزواج؛ فالراجح عندنا أنّ على أولاده الموسرين تزويجه، وراجع الفتوى: 53116

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني