الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أكره على بيع بيته

السؤال

اشتريت شقة في منزل عائلي، وقبض البائع الثمن، وصرفت عليها مبلغًا كبيرًا من المال، وبعد فترة تتجاوز السبعة الأشهر من بيعها لي، طلب مني إخوته المقيمون معي بالمنزل -أحدهم في الدور الأعلى مني، والآخر في الدور الأسفل- أن يشتروا مني الشقة، وعندما رفضت أن أبيعها لهم؛ قاموا بالضغط عليّ أثناء الخروج والدخول، والتوعّد لي أنهم سيأخذون الشقة مني شئت أم أبيت.
وبعد مدة تقارب الشهر وأكثر من السجال بيننا، علمت لا محالة أنهم لن يتوقفوا عما يفعلون إلا أن أبيعها لهم ثانية، فأجبرت على البيع لهم تحت الإكراه بسعر أقل مما كلّفني إياه الشراء والمصاريف التي شطبتها بها، وأنا الآن لم أرضَ عن هذا البيع إطلاقًا، وما وافقت عليه إلا لكي أخرج من بينهم بأغراضي وأهل بيتي سالمين، وكان في نفسي أني إذا دعيت لإقرار صحة التوقيع أمام المحكمة، أن أبين أني بعت مغصوبًا، وأرفض البيع بكل ما أتى به من شروط، فهل عليّ وزر في ذلك إن فعلته أم لا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد تكلّم الفقهاء على من أكره على بيع ماله، وذكروا أن له الخيار بين الإمضاء والفسخ، جاء في بداية المبتدي للمرغناني -الحنفي-: الإكراه يثبت حكمه إذا حصل ممن يقدر على إيقاع ما توعد به -سلطانًا كان أو لصًّا-. وإذا أكره الرجل على بيع ماله، أو على شراء سلعة، أو على أن يقرّ لرجل بألف، أو يؤاجر داره، وأكره على ذلك بالقتل، أو بالضرب الشديد، أو بالحبس، فباع أو اشترى؛ فهو بالخيار؛ إن شاء أمضى البيع، وإن شاء فسخه، ورجع بالمبيع. فإن كان قبض الثمن طوعًا، فقد أجاز البيع، وإن قبضه مكرهًا، فليس ذلك بإجازة. انتهى.

وفي العناية للبابرتي الحنفي: شرط الإكراه حصوله من قادر على إيقاع المتوعد به (سلطانًا كان أو لصًّا) وخوف المكره وقوعه بأن يغلب على ظنه أنه يفعله؛ ليصير بالإكراه محمولًا على ما دعي إليه من المباشرة، فإذا حصل بشرائطه، يثبت حكمه. انتهى.

وقال الحطاب -المالكي- في مواهب الجليل: واعلم أن من أكره على البيع، لا يلزمه البيع بإجماع. انتهى.

وقال العمراني -الشافعي- في البيان: وإن أكره على البيع، فإن كان بغير حق.. لم يصحّ بيعه. انتهى.

وقال الحجاوي -الحنبلي- في زاد المستقنع: فلا يصحّ من مكره بلا حق. انتهى.

وعلى هذا؛ فإن كنت أكرهت حقًّا على البيع، وألجئت إليه، ولم تمضِه؛ فمن حقّك طلب الفسخ، والرجوع فيه لدى القضاء، ولا إثم عليك في ذلك.

والقاضي هو الذي يستطيع التثبّت من دعوى الإكراه، وهل حصل ما يعتبر إكراهًا لك على بيع شقتك أو لا؟

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني