الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تدخل الأب في اختيار زوجة ابنه ورفضه من يختارها ابنه... المشكلة.. والعلاج

السؤال

أنا شاب في التاسعة والعشرين من عمري، وحتى الآن لم أتزوج، وهناك عدة أسباب لذلك؛ منها:
أن أبي دائما ما يتدخل في اختياري، ويريد أن يختار هو لي، فاذا رأيت فتاة، وأعجبتني، ثم أخبرته برغبتي سرعان ما يبدأ في اختلاق الأعذار: إنها ما زالت صغيرة، أو إنها ما زالت تدرس، أو إن أهلها غير مناسبين ... إلخ.
مع أنهم يكونون أناسا عاديين مثلنا، وقد بدأت في البحث عن زوجة منذ عدة سنوات، وها أنا كلها شهور وسأتم الثلاثين، ولم أحرك ساكنا، وقد أصبحت معقدا في اختياري بسبب تأخري في الزواج؛ لأني بدأت أصر أني لن أتزوج إلا من فتاة جميلة، ومتدينة؛ لأني انتظرت طويلا، ولا أستطيع أن أقدم بعض التنازلات الآن. وربما بحثي عن فتاة جميلة أيضا نابع من شخصيتي، وما مررت به.
فأنا أقارن نفسي بأصدقائي، فهم كانوا على علاقات مع الفتيات قبل الزواج، وقد تزوجوا. أما أنا فكنت دائما ما أبتعد عن هذه العلاقات المحرمة، وأنصحهم بالابتعاد عنها. ولهذا فإني أتمنى أن يعوضني ربي في الحلال بما يرضي قلبي. هل هذا حسن ظن بالله؟ أم تفكيري هذا يعد سذاجة مني؟
ساعدوني، فأنا أشعر بفراغ كبير في داخلي، ونفسيتي تسوء كثيرا، بسبب الشعور بالوحدة والفراغ، وهذا يؤثر عليَّ في حياتي وعملي، وأحيانا لا أستطيع أن أحتمل هذا الشعور، ولا أستطيع التخلص منه إلا بالعادة السرية -والعياذ بالله-. فعندما أتخلص من شهوتي يخف تفكيري في الأمر.
ومؤخرا بدأت أظن أن زواجي أمر مستحيل، وأحيانا ما تراودني أفكار انتحارية بسبب ظلم أبي لي، فأنا أشعر بالقهر، ولا أستطيع أن أفعل شيئا، لكن أكثر ما يحزنني هو أني أفعل المعصية، ولا أستطيع الابتعاد عنها بالكلية، ورغم كل ذلك، فإن تأخر زواجي لا يهمني أكثر من تفكيري أني قد أموت على المعصية.
وخلال هذه الأيام رأيت فتاة، وأعجبتني، وتكرر نفس الموضوع مع أبي، ولا أعلم كيف أتعامل مع الأمر. فأنا لا أريد أن أكون عاقًّا، وأيضا أريد أن أعف نفسي بالحلال مع الفتاة التي أختارها، وليس من يختارها أبي.
أرجو من سيادتكم قراءة الموضوع جيدا، والرد والنصح على النقاط التي ذكرتها جميعا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل المولى العلي القدير أن ييسر أمرك، وينفس كربك، ويزيل عنك الهموم والغموم، ونوصيك بالالتجاء إلى الله سبحانه والتضرع إليه، فهو مجيب دعوة المضطر، وكاشف الضر، قال تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ الله قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل:62}، وراجع الفتوى، ففيها بيان آداب الدعاء.

والوصية الثانية هي الوصية بالصبر، فهو مفتاح للخير وعواقبه حميدة في الدنيا الآخرة، كما هو مبين في الفتوى 18103.

وهذه الوصية بالصبر تقتضي حفظ الشهوة عن الحرام، واجتناب الاستمناء؛ فإنه محرم، وسبب لكثير من المضار في دين فاعله ودنياه، وقد ضمنا بعضها الفتوى: 5524، وقد ذكرنا فيها أيضا بعض الأمور التي تعين على العفة من الصوم، واجتناب ما يثير الشهوة، ونحو ذلك.

والوصية بالصبر أيضا تقتضي مجاهدة أي خواطر شيطانية، أو تفكير في الانتحار، فذلك من كيد الشيطان لتخسر دنياك وأخراك، فالانتحار ليس علاجا، ولكنه انتقال إلى الشقاء الأعظم، فلا تجعله يسيطر على تفكيرك، فضلا عن أن تقدم عليه بالفعل، وانظر الفتوى: 10397.

وإذا وجدت فتاة ذات دين وخلق ترغب في الزواج منها، فحاول إقناع أبيك للموافقة على ذلك، ووسِّط إليه أهل الخير، مع الإكثار من الدعاء، فإن اقتنع فالحمد لله، وإلا فالأصل أن تطيعه، ولا تتزوج منها، ما لم تعارض ذلك مصلحة راجحة، وانظر الفتوى: 93194.

وإذا لم يكن لأبيك من قصد إلا التعنت؛ فلا شك في أن المصلحة الراجحة تقتضي أن تخالفه، وتتزوج ولو من غير رضاه، ولتجتهد بعد ذلك في سبيل كسب رضاه.

وراجع لمزيد الفائدة الفتوى: 76303، ففيها بيان حدود طاعة الوالدين.

ولا بأس بأن تتحرى الجمال مع الدين والخلق؛ فإن ذلك أصون للنفس عن الحرام، وأدعى لتحصيل العفة.

قال البهوتي في شرح منتهى الإرادات: ويسن أيضا تَخيُّر الجميلة للخبر، ولأنه أسكت لنفسه، وأغض لبصره، وأكمل لمودته؛ ولذلك شرع النظر قبل النكاح. وعن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله؛ أي النساء خير؟ قال: التي تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها، ولا في ماله بما يكره. رواه أحمد والنسائي. اهـ.

وقال المرداوي في الإنصاف: قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ: إذَا خَطَبَ رَجُلٌ امْرَأَةً سَأَلَ عن جَمَالِهَا أَوَّلًا، فَإِنْ حُمِدَ سَأَلَ عن دِينِهَا، فَإِنْ حُمِدَ تَزَوَّجَ، وَإِنْ لم يُحْمَدْ يَكُونُ رَدُّهُ لِأَجْلِ الدِّينِ. وَلَا يَسْأَلُ أَوَّلًا عن الدِّينِ، فَإِنْ حُمِدَ سَأَلَ عن الْجَمَالِ، فَإِنْ لم يُحْمَدْ رَدَّهَا، فَيَكُونُ رَدُّهُ لِلْجَمَالِ لَا لِلدِّينِ. انتهى

فهو إذن لا حرج فيه، ولكن لا ينبغي التشدد في ذلك، فإن لم يجد المرء ما يصبو إليه من الجمال، فليتحر الأمثل، بحيث يخطب امرأة دينة على قدر من الجمال، يروم أن تدوم معها العشرة، حتى لا يطول انتظاره، فيضيع العمر، ويفوت المقصود.

وقد أحسنت فيما قمت به من نصح الآخرين باجتناب العلاقات المحرمة، فجزاك الله خيرا، ومن حسن الظن بالله أن ترجو أن يكون ذلك سببا لإعانتك على الحصول على ما تصبو إليه، والله -عز وجل- عند ظن عبده به.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني