الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التقصير العارض من الولد في حق الأم مغفور

السؤال

في الفترة الأخيرة من حياتي كنت أعيش مع أمي وأخي ـ وكان والدي قد توفي ـ وكنت أساعدها في مصاريف البيت، لصعوبة وضعها المادي لكنني في المقابل كنت أنشغل كثيرا وأجلس معها قليلا، ولم أستطع أن أؤدي كل واجبات المنزل، وهذا ما ضايقها مني، وقد كانت امرأة مريضة بالسكر وتستطيع بذل القليل من الجهد، وفي كثيرا من الأحيان لا تستطيع ذلك، وكنت أشعر بكثرة المسئولية على كاهلي داخل البيت وخارجه مما أدى إلى تقصيري داخل البيت كثيرا، تعبت أمي تعبا شديدا مفاجئا ولم أكن أدري مدى سوء حالتها، حيث اعتقدت أنه تعب سيزول، ثم اضطررت لأخذ إجازة وجلست بجانبها، وكنت قد تأخرت عنها قبل يوم عندما طلبتني وأدى ذلك إلى ضيقها الشديد جدا مني، حتى إنني سألتها أن تسامحني وكان من الصعب أن تقولها، ثم ساءت حالتها وظللت بجانبها سبعة أيام حتى احتجزت في العناية، وكنت ممنوعة من الدخول عليها، لكنني دخلت عليها أكثر من مرة، وكنت أسأل عن حالها وأساعدها في الشرب والأكل وأتحدث معها لتنسى ألمها، وظللت هكذا طيلة الأسبوع حتى إنها قالت لصديقاتي إنني حنونة جدا، ولم تقل لي ذلك بنفسها، ثم توفيت بعد أسبوع، ويوم وفاتها لم أستطع رؤيتها ولم أستطع الذهاب لأحضر دفنها في اليوم التالي، ومنذ ذلك اليوم لم أزر قبرها، ولكنني أدعو لها وأتصدق عنها وعن أبي، ولكن عذاب الضمير يرهقني ولا أستطيع أن أفسر إذا ما كانت قد ماتت وهي راضية عني أم لا؟ ولا أعلم ماذا يجب أن أفعل للتأكد أو للتحسين من الوضع؟.
أرجو منكم الإفادة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأحسن الله عزاءك في أمك، ونسأله أن يغفر لها ويرحمها ويتقبلها قبولا حسنا ويجمعك بها في الفردوس الأعلى، ونشكرك على حرصك على مساعدتك في مصاريف البيت، ودعائك لها بعد موتها والتصدق عنها، ولا شك في أن هذا من البر الذي نرجو أن تجدي ذخره في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وبر الوالدين مشروع بعد موتهما كما هو مشروع في حياتهما، وراجعي في ذلك الفتوى: 7893.

ونوصيك بالاستمرار في هذا البر، وما دمت على هذه الحال معها، فلو قدر أن كان قد وقع منك تقصير في حقها، فالمرجو أن يعفو الله عنك ويرضيها عنك إن كانت قد سخطت عليك؛ قال تعالى: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا {الإسراء:25}.

قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: وقال ابن جبير: يريد البادرة التي تبدر كالفلتة، والزلة تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما لا يريد بذلك بأسا، قال الله تعالى: إن تكونوا صالحين ـ أي صادقين في نية البر بالوالدين، فإن الله يغفر البادرة وقوله: فإنه كان للأوابين غفورا ـ وعد بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة بعد الأوبة. اهـ.

فوصيتنا لك أن تجتهدي في نسيان الماضي وأن تستشرفي المستقبل، وننبه إلى أن اتباع المرأة للجنازة مكروه في قول جمهور الفقهاء، كما سبق بيانه في الفتوى: 146889.

وننبه أيضا إلى أن زيارة المرأة للقبور للعظة والدعاء للميت مشروعة إذا أمنت المفسدة، هذا المفتى به عندنا، وفي المسألة خلاف، والخروج من الخلاف وترك الزيارة أولى، ولتكتف المرأة بالدعاء، فذلك مما ينفع الميت.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني