الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الهدايا التي تقدم إلى العمال

السؤال

أعمل قائدَ سد في الجيش، وشاحنات البضائع تمر عليّ، ويعطونني مالًا من دون ظلمٍ مني، أو قهرٍ، أو تخويفٍ، فهل هذا المال حرامٌ؟ وهل أستطيع الانتفاع به شخصيًّا في الملابس، والطعام، أم لا؟ علما أنني أنتفع به شخصيًّا فقط.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الهدايا التي تقدم إلى العمال محرمةٌ؛ فلا يجوز لهم قبولها، ولا الانتفاع بها، ما لم يأذن لهم فيها المخوّل بالإذن من جهة العمل، فعن أبي حميد الساعدي قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا على صدقات بني سليم، يدعى ابن اللُّتبيَّة، فلما جاء حاسبه، قال: هذا مالكم، وهذا هديةٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا جلست في بيت أبيك وأمك، حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقًا!؟ ثم خطبنا، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولّاني الله، فيأتي فيقول: هذا مالكم، وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته، والله لا يأخذ أحدٌ منكم شيئًا بغير حقّه، إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلأعرفنَّ أحدًا منكم لقي الله يحمل بعيرًا له رغاءٌ، أو بقرةً لها خوارٌ، أو شاةً تيعر، ثم رفع يده حتى رئي بياض إبطه، يقول: اللهم هل بلَّغت. رواه البخاري، ومسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم: هدايا العمال غلولٌ. رواه أحمد.

وروى أبو داود من حديث عدي بن عميرة الكندي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أيها الناس، من عمل منكم لنا على عملٍ، فكتمنا منه مخيطًا، فما فوقه، فهو غلٌ يأتي به يوم القيامة، فقام رجلٌ من الأنصار أسود كأني أنظر إليه، فقال: يا رسول الله اقبل عني عملك، قال: وما ذاك؟ قال: سمعتك تقول كذا، وكذا، قال صلى الله عليه وسلم: وأنا أقول ذلك، من استعملناه على عملٍ، فليأتِ بقليله، وكثيره، فما أوتي منه أخذه، وما نُهي عنه انتهى.

وقال النووي في شرحه على مسلم: وفي هذا الحديث بيان أن هدايا العمال حرامٌ، وغلولٌ؛ لأنه خان في ولايته، وأمانته؛ ولهذا ذكر في الحديث في عقوبته، وحمله ما أهدي إليه يوم القيامة، كما ذكر مثله في الغالّ، وقد بين صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث السبب في تحريم الهدية عليه، وأنها بسبب الولاية، بخلاف الهدية لغير العامل؛ فإنها مستحبة، وقد سبق بيان حكم ما يقبضه العالم، ونحوه باسم الهدية، وأنه يردّه إلى مهديه، فإن تعذر، فإلى بيت المال... انتهى.

وأما إن أذن لك في أخذها مسؤولٌ مخوّلٌ بذلك؛ فحينئذٍ لا حرج عليك؛ قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: وفي الحديث من الفوائد: منع العمال من قبول الهدية ممن له عليه حكم، ومحل ذلك إذا لم يأذن له الإمام؛ لما أخرجه الترمذي، من رواية قيس بن أبي حازمٍ، عن معاذ بن جبل، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقال: لا تصيبن شيئًا بغير إذني؛ فإنه غلولٌ. انتهى من فتح الباري.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني