الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من أخذ مالًا لادعائه أنه مدين وهو غير مدين

السؤال

أنا من عائلة ذات وضع مادي قريب للمتوسط، لله الحمد. كنا نصلح منزلا؛ لكي نسكن فيه، وكلف ذلك مبلغا كبيرا من المال. وقد سددنا المبلغ بحرمان أنفسنا من أشياء كنا بحاجة إليها، وساعدنا مجموعة من الأشخاص، وتم اقتراض جزء منه، وتسديده فيما بعد.
ذات يوم جلسنا مع جماعة، فسألوا: كم كلف المنزل؟ ومن أين دفعتم؟ فأجابت أمي إنه دين. لا أدري لماذا فعلت هذا؟
ومرت الأيام، وجاء شخص من العشيرة وسألنا: بكم أنتم مدينون؟ فأجبنا. وإذ بأحدهم يدفع لنا الدين؛ لكي نسدده للرجل الذي اقترضناه منه، علماً بأننا لم نطلب المال من الجماعة، ولا يوجد دين في الواقع. وقد رفضت أمي إعادته، أو الإخبار بالحقيقة، علماً بأنها لم تقل ذلك؛ لكي يدفعوا المال لنا، بل قالت ذلك لأجل ألا يفكر الناس أنها غنية، وهي في الواقع ليست كذلك.
وقد استمررت في إقناعها حتى غضبت مني، وبدأت بالصراخ عليّ. وأنا لا أستطيع أن أُقْدِم على أي تصرف بهذا المال؛ لأن ذلك سوف يؤدي لعواقب وخيمة من أمي حرفيا، فأنا خائف جدا.
وقد أطلب مالا لأجل أشياء أريد شراءها، وقد يصرف أهلي من هذا المال علينا.
فما الحكم في ذلك؟ وما حكم الاحتفاظ بمال جاء من أجل غرض غير موجود في الواقع (الدين) وبدون طلب مِنَّا؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالظاهر لنا -والله أعلم- أنّ هذا المال الذي أعطاه الشخص لأمّك؛ لا يحلّ لها؛ إلا إذا أخبرته بأنها غير مدينة، فرضي بإعطائها المال.

أمّا إذا لم تخبره بحقيقة حالها؛ فلا حقّ لها في هذا المال؛ وذلك أنّ الرجل أعطاها المال لسداد الدين، بقرينة سؤاله عن قدر الدين الذي أخبرته أمكم به، فلا يحل لها ما دامت غير مدينة.

قال الرملي -رحمه الله- في نهاية المحتاج: وحيث أعطاه ‌على ‌ظَنِّ ‌صفة، وهو في الباطن بخلافها، ولو علم ما به لم يعطه، لم يملك الآخذ ما أخذه. انتهى.

وفي حاشية الشرواني -رحمه الله-: أما لو أظهر الفاقة، وظنه الدافع متصفا بها، فلم يملك ما أخذه؛ لأنه قبضه من غير رضا من صاحبه؛ إذ لم يسمح له إلا على ‌ظن ‌الفاقة. انتهى.

فكلمي أمّك برفق وأدب، وبَيِّني لها حكم هذا المال؛ وإن خشيت من غضبها وعدم قبولها؛ فوسطي من يكلمها في ذلك من الأقارب، أو غيرهم ممن تقبل قولهم.

وإذا أصرَّت أمّك على أخذ المال دون إخبار صاحبه بحقيقة الحال؛ فهو مال محرم. لكن إذا كانت لأمّك أموال أخرى حلال؛ فيصير مالها مختلطا. فإذا أنفقت عليك، فلا حرج عليك. وأمّا إذا لم يكن لها سوى هذا المال؛ فلا يحل لك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني