الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

متى يصح الانتقال إلى الصيام في كفارة اليمين

السؤال

عندي أكثر من يمين حنثت بها للأسف، وإذا أطعمت عن كل يمين عشرة مساكين وجبة تشبعه سينتهي مالي، أو سأدفع مالا قد أحتاجه لحاجات مهمة لاحقا. هل ينبغي عليَّ أن أستلف المال من أحد لكي أدفعها، أم أكتفي بالصيام؟
ولا أعلم أين أجد مساكين أصلا، وكل الجمعيات الخيرية التي تتولى إطعام المساكين باهظة الثمن، فماذا أفعل؟
الموضوع يؤرقني، وأخاف أنني حتى لو صمت سيحاسبني الله أنني قد كان بإمكاني الإطعام، وأنا لا أعمل أصلا، ومالي محدود.
أفيدوني، جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فجوابنا يتلخص فيما يلي:

أولا: لا يصح الانتقال إلى الصيام في كفارة اليمين إلا عند العجز عن الإطعام والكسوة والعتق.

ثانيا: إذا كنت فقيرا لا تملك مالا للإطعام أو للكسوة، أو تملك منه ما لو أنفقته في الكفارة لم يفضل بعده ما يكفيك يومك وليلتك، فإنك لا تطالب بالإطعام، ولا الكسوة، وتنتقل إلى الصيام.

وبعض الفقهاء يرى أن من جاز له أخذ الزكاة انتقل إلى الصيام. جاء في كشاف القناع: وَلَا يَنْتَقِلُ الْمُكَفِّرُ بِيَمِينِهِ إلَى الصَّوْمِ إلَّا إذَا عَجِزَ كَعَجْزِهِ عَنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ. اهــ.

وقال ابن قدامة في المغني: (وَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ مَنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ، يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ، مِقْدَارُ مَا يُكَفِّرُ بِهِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ تَجْمَعُ تَخْيِيرًا وَتَرْتِيبًا، فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا انْتَقَلَ إلَى صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ لَا يَجِدَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ، يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ، قَدْرًا يُكَفِّرُ بِهِ. وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ. وَنَحْوُهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ جَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِن الزَّكَاةِ لِحَاجَتِهِ وَفَقْرِهِ، أَجْزَأَهُ الصِّيَامُ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ. اهــ.

ثالثا: لا تطالب بالاستدانة لأجل أن تُكَفِّرَ بالإطعام أو الكسوة، إلا إذا وجدت من يسلفك، وكنت قادرا على الوفاء عند بعض الفقهاء.

قال الدردير المالكي: وَمَنْ وَجَدَ مُسَلِّفًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَفَاءِ فَلَيْسَ بِعَاجِزٍ. اهــ.

وكذا لو كان لك مال غائب عنك، فإنك تستدين إن قدرت وتكفر. قال في مطالب أولي النهى: وَمَنْ مَالُهُ غَائِبٌ عَنْهُ يَسْتَدِينُ وَيُكَفِّرُ إنْ قَدَرَ عَلَى الِاسْتِدَانَةِ. اهــ.

وما دمت ليس لك عمل -كما ذكرت- فهذا يعني أنك لست قادرا على الوفاء، فتنتقل إلى الصيام.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني