الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الترغيب في صلة الأرحام والإحسان إلى الأصهار

السؤال

انتقلت إلى طريق الالتزام، بحمدِ الله وفضله. لا أنكر أني مقصِّرةٌ في حقّ ربي مهما فعلت، لذا أُحاول دائماً أنْ أُعوِّدَ نفسي على فعل ما يحبه الله. وعلمت بفضل صلة الرحم، وعاقبة من يتهاون بحق ذوي الأرحام وحق الصلة. لكن منذ خروجي إلى الدنيا وأنا أرى وأسمع الخلافات التي تدور بين أمي وأهل والدي. وأنا وأي شخص آخر نعلمُ يقيناً أنهم هم المعتدون، وأبي دائماً يؤيدهم حتى وهو يعلم أن الحق مع والدتي؛ مما أدى إلى ازدياد الفجوة بيننا.
والآن بعدما كبرت وعلمت بحق صلة الرحم. المشكلة أني إذا حاولت صلتهم فسيحاولون عمل فتنة بيني وبين أمي، هذا فضلا عن الكلام الجارح الذي يسمعوننا إياه في كل مرة نزورهم فيها، لذا أصبحنا لا نذهب إليهم، لكنهم أصبحوا يأتوننا في منزلنا، ويسيئون إلينا سواء باللفظ أو الإيماءات.
أمي إنسانة حساسة، ومُعرَّضة لمرض ضغط الدم والسكر. أعلم أني يجب عليّ وعلى من بالبيت الصبر على أذاهم، وأريد من قلبي صلتهم حتى وإن أساءوا إليّ، لكني متأكدة أنهم سيخبرون والدتي من باب ادعائهم أني في صفِّهم. وأنا خائفة من أن أكون سبباً في مكروه قد يصيب والدتي لا سمح الله. كذلك دائماً تقول أمي: من يريدهم ليس بابني، ولست والدته.
أفيدوني جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنهنئك على ما أنعم الله -عز وجل- به عليك من نعمة السير في طريق الاستقامة، وهذه نعمة تستوجب الشكر بالحرص على ما يعين على الثبات على هذا الطريق من العلم النافع، والعمل الصالح، وصحبة الخيِّرات ونحو ذلك من هذه الأمور.

وراجعي للمزيد الفتوى: 10800، والفتوى: 1208. نسأل الله -تعالى- أن يزيدك هدى وتقى وصلاحا.

ولا شك في أهمية الرحم وفضل صلتها وخطورة قطيعتها، وقد جاءت في ذلك كثير من نصوص الكتاب والسنة، ضمَّنَّا بعضها الفتوى: 31617.

فيجب عليك صلة رحمك، ولا يجوز لك قطيعتها بحال، والصلة تتعدد وسائلها، بل كل ما كان في عرف الناس صلة كان كذلك شرعا.

وسبق أن بينا كيفية صلة الرحم المؤذي، وأنها تكون بما تتحقق به هذه الصلة دون حدوث الأذى، فراجعي الفتوى: 348340. وليس من حق أمكم أن تحول بينكم وبين صلة أرحامكم، ولا أن تتبرأ منكم بسبب قيامكم بذلك.

وكما أن للرحم فضلها، كذلك علاقة المصاهرة، ولذلك امتنَّ الله -عز وجل- بها على عباده، فقال: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا {الفرقان: 54}.

وجاءت السنة بالوصية بالإحسان إلى من ربطته ببعض الناس مصاهرة، ففي صحيح مسلم عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها، فأحسنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذمّة، ورحمًا. أو قال: ذمة، وصهرًا.

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: وأما الرحم فلكون هاجر أم إسماعيل منهم. وأما الصهر فلكون مارية أم إبراهيم منهم. اهـ.

فمن المطلوب شرعا حسن المعاشرة بين المرأة وأهل زوجها، وينبغي الاجتهاد في هذا السبيل، وعدم ترك المجال للشيطان ليوقع بينهم العداوة والبغضاء.

ويمكن الاستعانة ببعض الصالحين لتحقيق هذه الغاية، وقد ندب الشرع إلى الإصلاح بين الناس وبيَّن فضله، كما في الفتوى: 50300.
بقي أن ننبه إلى أمر يتعلق بأبيك خاصة، وهو أنه مأمور شرعا بأن يحسن إلى أمكم لمقتضى رابطة الزوجية التي بينهما، قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}.

قال الشيخ السعدي في تفسيره: على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى وبذل الإحسان، وحسن المعاملة. اهـ.

فإن كان أبوكم يعين أقاربه على أذى أمكم، فهو مخالف لهذا التوجيه الرباني. فينبغي أن ينصح بالحسنى، ويبين له أن يقف مع الظالم أو المظلوم من زوجته وأقاربه على الوجه الذي بينه الحديث الذي رواه البخاري عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" انصر أخاك ظالما أو مظلوما". فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال:" تحجزه، أو تمنعه من الظلم؛ فإن ذلك نصره".

نسأل الله -تعالى- أن يصلح الحال، ويرد الجميع إلى جادة الصواب ردا جميلا.

ونوصيكم بكثرة الدعاء؛ فهو سلاح المؤمن الذي يحقق به مبتغاه، وربنا جواد كريم، سميع مجيب، قال سبحانه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186}.

ولمزيد الفائدة، انظري الفتوى: 119608، ففيها بيان آداب الدعاء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني