الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اعتراض زوجة الميت على سداد الدَّين

السؤال

توفي أخي -رحمه الله- وعليه ديون كثيرة، وليس باستطاعتنا -نحن إخوته- قضاء دَينه، وبعد فترة ظهر له ميراث من أبينا الذي توفي -رحمه الله- بعده، فأردنا قضاء دَينه، إلا أن أرملته رفضت، وطلبت استلام تركته، فما الواجب والأولى أن نفعل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالسؤال يكتنفه شيء من الغموض، فإن كنت تعني أن أخاكم مات أولًا، ثم مات بعده أبوكم؛ فإنه ليس لأخيكم نصيب في تركة أبيكم؛ إذ الميت لا يرث، ولا يملك.

وليس لزوجة أخيكم نصيب في تركة أبيكم؛ لأنه لا نصيب لزوجها أصلًا، ولا يجب على أحد من أقرباء الميت أن يقضوا دَينه، ولو قضي دَينه من الزكاة، فحسن، وانظر الفتوى: 43744.

وإن كنت تعني أن أباكم مات أولًا، ثم مات بعده أخوكم، فإن لأخيكم نصيبًا في تركة أبيه، ولا يسقط نصيبه بموته، بل ينتقل إلى ورثته، ولكن ما دام أنه مدين -كما ذكرت-، فإنه يجب قضاء الدَّين الذي عليه من نصيبه في تركة أبيه قبل أن يُقسَم شيء منها بين ورثته؛ لأن الدَّين مقدّم على حق الورثة في المال، وليس لأحد من ورثته الاعتراض على قضاء الدَّين -لا زوجته، ولا غيرها-؛ لأن سداد الدَّين مقدّم على حقّهم في المال؛ لقول الله تعالى في آيات المواريث: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ {النساء: 11}، جاء في الموسوعة الفقهية: دَيْنُ الآدَمِيِّ هُوَ الدَّيْنُ الَّذِي لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ، فَإِنَّ إِخْرَاجَ هَذَا الدَّيْنِ مِنَ التَّرِكَةِ وَالْوَفَاءَ بِهِ وَاجِبٌ شَرْعًا عَلَى الْوَرَثَةِ قَبْل تَوْزِيعِ التَّرِكَةِ بَيْنَهُمْ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ـ وَعَلَى ذَلِكَ الإْجْمَاعُ، وَذَلِكَ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ، أَوْ حَتَّى تَبْرُدَ جِلْدَتُهُ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ. اهـ.

وقضاء دين الميت من أهم المهمات، قال البهوتي في شرح الإقناع: (وَيَجِبُ أَنْ يُسَارعَ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ، وَمَا فِيهِ إبْرَاءُ ذِمَّتِهِ، مِنْ إخْرَاجِ كَفَّارَةٍ، وَحَجِّ نَذْرٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ) كَزَكَاةٍ، وَرَدِّ أَمَانَةٍ وَغَصْبٍ وَعَارِيَّةٍ؛ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ؛ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ». انتهى.

وإذا حصل نزاع بين الورثة، أو شككوا في ثبوت الدَّين، فلا بدّ من رفع الأمر إلى القضاء؛ للنظر في القضية، والفصل فيها.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني