الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تجب الزكاة على مَن كان عليه دَين يساوي المبلغ الذي ادّخره؟

السؤال

عليَّ ديَن للدولة، وأدفع أقساطًا شهرية، ولديَّ مال في البنك حال عليه الحول، وبلغ النصاب، فهل تجب فيه الزكاة؟ مع العلم أن الدَّين (3000€)، والمال الذي في البنك (3000€). وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:

فما دام الدَّين الذي عليك يساوي المبلغ الموجود عندك؛ فلا زكاة عليك؛ بناء على قول الجمهور، قال ابن قدامة في المغني: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ: أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الْأَمْوَالَ الْبَاطِنَةِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَهِيَ الْأَثْمَانُ، وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَالْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ رَبِيعَةُ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي جَدِيدِ قَوْلَيْهِ: لَا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ مَلَكَ نِصَابًا حَوْلًا؛ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، كَمَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ. انتهى.

وقال الكاساني الحنفي في شروط وجوب الزكاة: ومنها: أن لا يكون عليه دَين مطالَب به من جهة العباد عندنا، فإن كان، فإنه يمنع وجوب الزكاة بقدره؛ حالًّا كان أو مؤجلًّا. انتهى.

وقال العدوي المالكي في حاشيته: وأما لو كان عليه دَين، فيسقط زكاة العين؛ سواء كان الدين عينًا، أو عرضًا، حالًّا أو مؤجلًّا؛ لعدم تمام الملك. انتهى.

ومما يستدلّ به لقول الجمهور حديث النبي صلى الله عليه وسلم: خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى. رواه البخاري. والمدينُ ليس غنيًّا.

ومما يستدل به أيضًا لكون الدَّين يمنع وجوب الزكاة فيما يقابله: ما رواه أبو عبيدٍ في الأموال، وصححه الألباني أن عثمان -رضي الله عنه- قال: هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دَين؛ فليؤدّه؛ حتى تخرجوا زكاة أموالكم. اهـ، وفي رواية: فمن كان عليه دَين، فليقضِ دَينه، وليترك بقية ماله. اهـ.

ومذهب الجمهور هو المفتى به لدينا، وهو أن الدَّين يمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنة، وهي: الذهب، والفضة، والنقود، وعروض التجارة -إذا كان يستغرق المال، أو ينقصه عن النصاب، هذا إذا لم يكن عندك فائض من الأموال الزكوية -غير المبلغ المذكور- من السيارات، والأبنية، ونحوها، ممّا يمكن أن تجعليه في مقابلة الدَّين، وراجعي بشأن ذلك الفتوى: 366892.

وعليه؛ فإذا لم يكن لديك فائض من الأموال الزكوية الأخرى؛ فلا زكاة عليك في الآلاف الثلاثة؛ لكونك مدينة بمثلها للدولة -كما ذكرت-.

والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني