الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحالات التي يكون فيها الضمان على الآمر لا الفاعل

السؤال

فور تخرجي من كلية الطب التحقت بالتدريب في قسم الأشعة بشكل مجاني، وفي الشهر الثالث من التدريب قدمت إلينا حالة يبدو أنها كانت عندها التهاب، ولم تكن عليها أعراض، عندما سألناها عن أنها تشتكي من أيِّ شيء، وقبلت الطبيبة التي تدربني بالحالة، وعلمتني كيف أركب الأدوات، وحقنتها بنفسي. مع العلم أنها وظيفة الممرضة، ولكن كوني جديدة أردت أن أتعلم طريقة الحقن، وكل شيء كان صحيحا.
وللأسف بعدها بيوم جاءت المريضة للمستشفى بالتهاب حاد، وبقيت في العناية، ثم توفيت -رحمها الله-.
حدثت مشكلة وقضايا من أهل المريضة على الطبيبة المسؤولة عني، ولم يكلمني أحد كوني جديدة، كما أسلفت، وكنت لا أفقه شيئا في تقييم الحالة، فكنت خارج الموضوع.
بالنسبة للتقرير الطبي أفاد أن المريضة كان عندها التهاب قبل أن نحقنها، ولكنه انتشر بسبب حقن الصبغة، والطبيب الشرعي قال لي وقتها: لا تخافوا نحن مع الطبيب ما استطعنا، أي أننا نبرؤه قدر المستطاع.
الكل يقول لي: ليس لك علاقة حتى أهل المريضه لم يتحدثوا إليك؛ لأنك لست مسؤولة عن تقييم الحالة، وفعلا أنا عبد مأمور، إن وافقت الطبيبة عليها حقنتها، وإن لا، فلا.
مشكلتي الوحيدة أني حقنتها بيدي، أتمنى أن أعرف هل يلزمني شيء أم لا؟
أرجو إفادتي ومساعدتي، فالموضوع يشغلني من أربع سنوات.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنقول ابتداء إننا فهمنا من السؤال أن تلك الحقنة زادت من حدة الالتهاب، وهذا أدى إلى وفاة تلك المريضة -رحمها الله-، وإذا كان الأمر كذلك فجوابنا يتلخص فيما يلي:

أولا: سبق أن أصدرنا فتوى مفصلة في خطأ الطبيب، وما يترتب عليه، ومتى يكون ضامنا، ومتى لا يضمن، وذلك في الفتوى: 5852 .

ثانيا: الأصل براءة الذمة من الضمان، ولا يحكم به إلا بشيء متيقن، لأن الأصل براءة الذمة، فلا تعمر إلا باليقين.

قال العلوي في النوازل: فمن تصدى للإفتاء فليحجم عن الإقدام على إلزام الضمان إلا بصريح، أو ظاهر، وإلا وجب عليه التمسك بالأصل الذي هو براءة الذمة.

ثالثا: إن كان إعطاء تلك الحقنة يُعدُّ -في حكم أهل الخبرة والاختصاص- لا تقصير فيه، ولا يعد إهمالا؛ فإنه لا شيء على الطبيبة، ولا على من تحتها من الممرضين.

وأما إن كان إعطاء تلك الحقنة يُعدُّ -في حكم أهل الخبرة والاختصاص- إهمالًا طبيًّا، وتقصيرًا في أداء واجب المهنة، وهو الذي أدّى للوفاة: فإن هذا يكون له حكم قتل الخطأ؛ لأن من لزمه القيام بعمل، فقصّر فيه، ضَمِنَ ما أدّى إليه تقصيره من أضرار، وهذا أصل، قد أناط به أهل العلم كثيرًا من المسائل، ومنها: تقصير الطبيب، أو إهماله، إذا ترتب عليه هلاك المريض.

جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن ضمان الطبيب ما يأتي: يكون الطبيب ضامنًا، إذا ترتب ضرر بالمريض في الحالات الآتية: ... إذا ارتكب خطأ لا يقع فيه أمثاله، ولا تقره أصول المهنة، أو وقع منه إهمال، أو تقصير. اهـ.

وقال النفراوي في (الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني): إن عالج العالم بالطب المريض، ومات من مرضه، لا شيء عليه، بخلاف الجاهل، أو المقصّر، فإنه يضمن ما نشأ عن فعله. اهـ.

رابعا: لو فُرِضَ أن الطبيبة لا تعذر فيما حدث، ولزم الضمان بوفاة المرأة، فأنت من باشر إعطاء تلك الحقنة، والطبيبة هي السبب لأنها أمرتك بإعطائها، والأصل في قاعدة الضمان أنه إذا اجتمع المتسبب والمباشر، فالضمان على المباشر لا المتسبب، ولكن ذكر أهل العلم أن هناك استثناءات لهذه القاعدة يكون فيها الضمان على المتسبب لا على المباشر، من تلك الصور أن يكون الآمر ممن يلي الإجبار على المأمور؛ كالعبد لسيده، والسلطان لأعوانه، والرجل لولده. فالضمان على الآمر، وإلا فعلى المأمور.

جاء في الموسوعة الفقهية عن الصور التي يسقط فيها الضمان على المأمور الفاعل، ويلزم في حق الآمر:
يُشْتَرَطُ لاِنْتِفَاءِ الضَّمَانِ عَنِ الْمَأْمُورِ وَثُبُوتِهِ عَلَى الآْمِرِ، مَا يَلِي:
1 - أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِهِ جَائِزَ الْفِعْل، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا فِعْلُهُ ضَمِنَ الْفَاعِل لاَ الآمِرُ، فَلَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِتَخْرِيقِ ثَوْبِ ثَالِثٍ ضَمِنَ الْمُخَرِّقُ لاَ الآْمِرُ.

2 - أَنْ تَكُونَ لِلآمِرِ وِلاَيَةٌ عَلَى الْمَأْمُورِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ وِلاَيَةٌ عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُ بِأَخْذِ مَال غَيْرِهِ فَأَخَذَهُ، ضَمِنَ الآخِذُ لاَ الآمِرُ، لِعَدَمِ الْوِلاَيَةِ عَلَيْهِ أَصْلاً ، فَلَمْ يَصِحَّ الأمْرُ، وَفِي كُل مَوْضِعٍ لَمْ يَصِحَّ الأمْرُ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمَأْمُورِ، وَلَمْ يَضْمَنِ الآمِرُ.

وَإِذَا صَحَّ الأمْرُ بِالشَّرْطَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَقَعَ الضَّمَانُ عَلَى الآمِرِ، وَانْتَفَى عَنِ الْمَأْمُورِ وَلَوْ كَانَ مُبَاشِرًا. لأِنَّهُ مَعْذُورٌ لِوُجُوبِ طَاعَتِهِ لِمَنْ هُوَ فِي وِلاَيَتِهِ، كَالْوَلَدِ إِذَا أَمَرَهُ أَبُوهُ، وَالْمُوَظَّفِ إِذَا أَمَرَهُ رَئِيسُهُ. اهــ.

ولا شك أن للطبيب أو الطبيبة ولاية على من تحته من الممرضين، فإذا أمرهم بإعطاء المريض دواء، أو حقنة، وترتب عليها موت المريض، ولم يكن الممرض على علم بضرر تلك الحقنة؛ فإن الضمان على الطبيب الآمر، لا على موظف التمريض.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني