الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ولاية الأب على ابنته المطلقة

السؤال

هل المرأة المطلقة البالغة من العمر 38 عاما، تخضع لولاية أبيها. حتى لو كان أبوها غير قادر على التحكم في تصرفاتها، حيث تريد السكن بمفردها، والذهاب إلى النادي بدون مسؤولية، ولا الرجوع إلى الأب. وتريد أيضا السفر خارج البلاد للعمل؟
وهل الله -سبحانه وتعالى- سيحاسب الأب على ابنته، وهو قد وجه النصيحة إليها مئات المرات، ولم ترجع، وهو غير قادر على ردعها، فهو في السبعين من عمره، وهي لا ترى إلا نفسها، ولا ترى حتى أولادها البالغين من العمر 15 عاما.
فما الرأي الشرعي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإذا كانت المرأة المطلقة بالغة رشيدة، فلها أن تسكن حيث شاءت، وتخرج لما هو مباح من حاجتها، بشرط أن تنضبط بالضوابط الشرعية من الستر ونحوه، وبشرط أن تنتفي التهمة، وأن لا يكون ثمة ما يريب، ولا يلزمها أن تستأذن أباها.

وسبق أن بينا ذلك في الفتوى: 173843، والفتوى: 76078.

وقد أوضحنا في الفتوى الأخيرة ما يفعله وليها إن كانت هنالك ريبة.

وكذلك الحال بالنسبة لسفرها إذا كان سفرا مباحا ومأمونا عليها فيه، وكان برفقة محرم لها. وتراجع الفتوى: 252346.

ومن مسؤولية الولي -وهو هنا الوالد- أن يكون حازما معها حال وجود الريبة والتهمة، فيمنعها عما يكون سببا لفسادها، قال تعالى: يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ{النساء:11}.

قال السعدي في تفسيره: أي: أولادكم -يا معشر الوالِدِين- عندكم ودائع، قد وصاكم الله عليهم؛ لتقوموا بمصالحهم الدينية، والدنيوية، فتعلمونهم، وتؤدبونهم، وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله، وملازمة التقوى على الدوام، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ. فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها؛ فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. اهـ.

وإذا بذل الأب وسعه، ولم يستطع منعها، وعجز، فإنه لا يأثم، قال تعالى: فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16}.

ولا يعني ذلك أن يترك لها الحبل على الغارب، بل يجب على غيره من أهلها العمل على صيانتها ومنعها من الفساد وأسبابه.

قال ابن عابدين -معلِّقًا على القول بحق الأب في ضم بنته الثيب غير المأمونة: .. والظاهر أن الجد كذلك، بل غيره من العصبات كالأخ والعم. ولم أر من صرح بذلك، ولعلهم اعتمدوا على أن الحاكم لا يمكنه من المعاصي. وهذا في زماننا غير واقع، فيتعين الإفتاء بولاية ضمه لكل من يؤتمن عليه من أقاربه، ويقدر على حفظه. فإن دفع المنكر واجب على كل من قدر عليه، لا سيما من يلحقه عاره. وذلك أيضا من أعظم صلة الرحم والشرع أمر بصلتها، وبدفع المنكر ما أمكن. اهـ.

وننبه إلى أنه إذا منعها أبوها لغرض صحيح كأن يخشى عليها الفساد ونحو ذلك، ولم تطعه، فإنها تأثم؛ لعقوقها له.

قال الهيثمي في الفتاوى الفقهية، عند كلامه على خروج الأمرد لطلب العلم: نعم، إن كان في البلد فجرة يأخذون من خرج من المرد إلى السوق مثلًا قهرًا عليهم، تأكد على الولد أن لا يخرج وحده... فأمر الوالد له في هذه الحالة بعدم الخروج مع الخوف يعذر فيه، فلا يجوز للولد مخالفته. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني