الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تضييع الأمانة خيانة محرمة

السؤال

زوجي تاجر، وحصل على مبلغ من المال، فوضعه عند أهله، بحكم غيابنا الدائم عن المنزل، فأخذوه بدون علمه، وأعطوه للأخ الأصغر غير المحتاج، الذي يعمل مع زوجي أيضا.
وعندما احتاج زوجي للمال، فسأل عنه، أنكروا بقاء المال، مع العلم أنه لا يبخل عليهم بشيء أبدا، دائما يكون ماله عندهم، ونحن نأخذ مصروفا منه.
فما حكم الشرع في ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا يمكننا الحكم في حال بعينها بمجرد السماع من طرف واحد، ولكن نقول على وجه العموم: إنه يجب حفظ الأمانة، وردها إلى صاحبها حين يطلبها، والتصرف فيها دون إذنه خيانة محرمة، قال تعالى: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا {النساء:58}، وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ {الأنفال:27}.

كما لا يجوز أخذ مال أحد إلا بإذنه، ولا يحل هذا المال لآخذه إلا إذا طيَّبه له صاحبه.

فقد خطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، في حجة الوداع، في أيام التشريق، فقال: إن دماءكم وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقونه ... ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا؛ إنه لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه. رواه أحمد، وحسنه الألباني.

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه. رواه مسلم.

وقال أيضا -صلى الله عليه وسلم-: من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق، لقي الله -عز وجل- وهو عليه غضبان. رواه الشيخان وأحمد، واللفظ له.

وحتى الوالد وإن كان له خصوصية في ذلك؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنت ومالك لأبيك، إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من كسب أولادكم. رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.

إلا أن تصرف الوالد في مال ولده دون إذنه، إنما يكون في حدود حاجته، ولا يجوز عند الجمهور أن يتعدى حاجته.

ومن يجيز ذلك كالحنابلة يشترطون شرطين، كما قال ابن قدامة في المغني:

أحدهما: أن لا يجحف بالابن ولا يضر به، ولا يأخذ شيئاً تعلقت به حاجته.
الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه لآخر، إلا بطيب نفس في صاحب المال. اهـ.

وقال أيضاً: وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام... انتهى.

وراجعي في ذلك الفتويين: 112088، 47345.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني