الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مدى مسؤولية الأب عن انحراف الولد عن الفطرة السوية، وهل يهجره؟

السؤال

أعيش في بلد غير مسلم، وابني أصبح شاذا، فهل أنا مسؤول أمام الله عما يفعل؟ وقد قطعت معه كل العلاقات، فهل يجوز هذا؟ أم يعتبر من باب قطع الأرحام؟.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يهدي ابنك، ويصلحه، ويرده إلى الفطرة السوية، والاستقامة على طاعة الله، وأن يلهمك رشدك، ويهديك إلى السبيل الأرشد في التعامل معه، واعلم أنّ الواجب على الوالدين تنشئة أولادهم على الدين، والخلق، وأن يجنبوهم أسباب الفساد، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التحريم:6}.
فإن قصَّر الوالدان في التربية، فهما مسؤلان عن تقصيرهما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْأَمِيرُ رَاعٍ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. متفق عليه.
وأمّا إذا قام الوالدان بما عليهما في تربية الولد؛ فليسا مسئولين عن وقوع الولد في المعاصي، أو انحرافه عن الفطرة، فهداية التوفيق لا يملكها إلا الله، والأصل في الشرع أن لا يحمل أحد ذنب أحد، قال تعالى: وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام:164}.

وعن سليمان بن عمرو بن الأحوص، عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: ألا لا يجني جان إلا على نفسه، لا يجني والد على ولده، ولا مولود على والده. رواه ابن ماجه.
واعلم أنّ الأصلّ وجوب صلة الأولاد، وتحريم قطعهم فوق ثلاثة أيام، إلا إذا كان قطعهم لمصلحة تأديبهم، وإصلاحهم؛ ففي هذه الحال يجوز القطع، ولو زاد عن ثلاثة أيام.

قال الخطابي - رحمه الله - في معالم السنن: فأما هجران الوالد الولد، والزوج الزوجة، ومن كان في معناهما، فلا يضيق أكثر من ثلاث، وقد هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا. انتهى.
ومسألة الهجر، والصلة للأولاد العاصين؛ تخضع للمصلحة المرجوة من الهجر، أو الصلة؛ والغالب - والله أعلم - أنّ الصلة، والإحسان مع مداومة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والسعي في الاستصلاح؛ أولى وأنفع من الهجر والزجر.
فوصيتنا لك أن تجتهد في استصلاح ولدك، وتبذل جهدك، ولا تتعجل ثماره، ولا تيأس، واستعن بالله تعالى، وافزع إليه وألح في الدعاء له بالهداية، فدعوة الوالد لولده مستجابة.
ونصيحتنا لك؛ أن تجتهد في السعي إلى الإقامة في بلاد المسلمين، ما استطعت إلى ذلك سبيلا؛ فالإقامة في بلاد الكفار تنطوي على كثير من المخاطر على الدين، والأخلاق، وسلامة دينك، ودين أولادك؛ مقدمة على غيرها من المصالح غير المتيقنة، وراجع الفتوى: 311917.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني