الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في الاستحلال العام دون تفصيل الحقوق

السؤال

كنت أعمل في محل لبيع العجلات، وزيوت السيارات، وكنت آخذ أجرة: 1000، دينار جزائري في اليوم أنا، وعامل آخر، ونبقى ـ أنا وهو ـ طيلة اليوم في المحل، فطلبنا من صاحب المحل أن يعمل كل واحد منا نصف يوم، على أن نأخذ نفس الأجر، فوافق على ذلك، وأخبرني من يعمل معي بذلك، وأن لنا الحرية في كيفية العمل، لكنني في الأيام الأخيرة من العمل قبل غلق المحل أصبحت أعمل يوما كاملا بمفردي، دون مجيء صديقي، ليتم العمل باقي اليوم، فأصبحت آخذ أجرته مع أجرتي في الأيام التي لا يأتي فيها، ولكي أبرئ ذمتي أمام الله بعد غلق المحل: ذهبت إلى صاحب العمل، وقلت له الآتي: سامحني، إن أخذت ما ليس لي بحق، وأنا أسامحك إن لم آخذ حقي كاملا، وسامحني إن أخطأت، أو اقترفت في المحل، وفي عملي ما لا ترضاه ـ فقال لي: إني مسامح لك دنيا وآخرة، فهل صارت ذمتي بريئة عند الله بما قمت به؟ أم لا؟ فأنا رأيتها فرصة لكي أستسمح عن كل شيء فعلته، طيلة فترة عملي، وعما أخطأت فيه، وعما أخذت، وعن أي أمر آخر لي به علم، أو ليس لي به علم، أو نسيته.
أجيبوني حفظكم الله، وبارك فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يغفر لك.

وأما سماح صاحب العمل عن حقه دون أن تفصّل الحق، وتبين قدره: فإن براءة الذمة بمثل هذا، محل خلاف بين العلماء، فقد ترجم البخاري: باب من كانت له مظلمة عند أحد فحللها له، هل يبين مظلمته؟ وأسنده تحته حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من كانت عنده مظلمة لأخيه: من عرضه، أو شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار، ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات، أخذ من سيئات صاحبه، فحمل عليه.

جاء في شرح صحيح البخاري لابن بطال: قال المهلب: إن بين، فهو أطيب، وأصح في التحلل؛ لأنه يعرف مقدار ما يحلله منه، معرفة صحيحة، وقد اختلف العلماء فيمن كانت بينه، وبين أحد معاملة، وملابسة، ثم حلل بعضهم بعضًا من كل ما جرى بينهما من ذلك، فقال قوم: إن ذلك براءة له في الدنيا، والآخرة، وإن لم يبين مقداره، وقال آخرون: إنما تصح البراءة إذا بين له، وعرف ماله عنده، أو قارب ذلك، بما لا مشاحة في مثله، قال المهلب: وهذا الحديث حجة لهذا القول؛ لأن قوله عليه السلام: أخذ منه بقدر مظلمته ـ يدل أنه يجب أن يكون معلوم القدر، مشارًا إليه .اهـ.

والذي نفتي به في أكثر فتاوانا أنه لا بد من تفصيل قدر الحق، كما في الفتوى: 391468، وغيرها.

وهذا هو الأحوط، والأسلم.

لكن لو اكتفيت بما سبق من الاستحلال العام دون تفصيل للحق، عملا بقول من يسوّغ ذلك، فلا تثريب عليك.

جاء في كشاف القناع، عن متن الإقناع للبهوتي: وله ـ أي المفتي ـ تخيير من استفتاه بين قوله، وقول مخالفه؛ لأن المستفتي يجوز له أن يتخير، وإن لم يخيره، وقد سئل أحمد عن مسألة في الطلاق؟ فقال: إن فعل حنث، فقال السائل: إن أفتاني إنسان لا أحنث؟ قال: تعرف حلقة المدنيين؟ قال: فإن أفتوني حل؟ قال: نعم. اهـ.

وراجع للفائدة الفتوى: 300748.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني