الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية تتصرف الشركة في رواتب العمال التي تركوها ولم يستلموها

السؤال

أعمل محاسبا في شركة، ولدينا عمال يعملون لمدة يوم، أو يومين، أو ساعات. وقد لا يعجبهم العمل، ويتركونه، ونكون قد حسبنا لهم أجرة هذه الأيام، ولا يأتون لأخذ هذه الأجور، وتمضي أحيانا سنوات. فما حكم هذا المال؟ وهل يمكن اعتباره للشركة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد ذكرت في السؤال أن العمال يعملون لمدة يوم، أو يومين، أو ساعات فقط، وقد لا يعجبهم العمل فيتركونه، وقد حسبتم لهم أجر ما عملوا، لكنهم لم يعودوا، والذي يظهر من ذلك أن الاتفاق بينكم، وبينهم على أن كل يوم بكذا، أو كل ساعة بكذا، وعليه فلهم أجرة ما عملوا.

جاء في المغني لابن قدامة: قال ابن أبي موسى: من استؤجر لعمل معلوم، استحق الأجر عند إيفاء العمل، وإن استؤجر في كل يوم بأجر معلوم، فله أجر كل يوم عند تمامه. انتهى.

وحتى لو كان الاتفاق معهم على مدة أكثر كشهر مثلا: وعملوا بعضه فقط، فيرى بعض أهل العلم أنهم يستحقون بقدر ما عملوا.

جاء في درر الحكام لعلي حيدر الحنفي: أَمَّا الْأَجِيرُ الَّذِي يُسَلِّمُ نَفْسَهُ بَعْضَ الْمُدَّةِ، فَيَسْتَحِقُّ مِنْ الْأُجْرَةِ مَا يَلْحَقُ ذَلِكَ الْبَعْضَ مِنْ الْأُجْرَةِ... وليس لمخدومه أن يمنعه منها، بحجة أنه لم يقض المدة التي استأجره ليخدمه فيها. انتهى.

وقال ابن عاصم المالكي في التحفة:

وللأجير أجرة مكملة إن تم أو بقدر ما قد عمله.

والعمل بهذا القول هو الأحوط، والأبرأ للذمة.

وعليه؛ فإن هؤلاء العمال الذين تركوا أعمالهم بعدما عملوا بعض العمل، أو داوموا بعض المدة، يستحقون الأجرة على قدر عملهم، الذي قاموا به، لكن إن لم يعودوا لأخذ ما يستحقونه، ويئستم من الوصول إليهم، فلا بأس أن تتصدقوا بحقوقهم عنهم، ليكون الثواب لهم، عملا بالمستطاع، ولما روى أبو وائل شقيق بن سلمة قال: اشترى عبد الله بن مسعود جارية من رجل بستمائة، أو سبعمائة درهم، فنشده سنة، فلم يجده، فتصدق بها، من درهم ودرهمين عن ربها، فإن جاء صاحبها خيَّره، فإن اختار الأجر كان له، وإن اختار ماله كان له ماله، ثم قال ابن مسعود: هكذا، فافعلوا باللقطة. رواه الطبراني في الكبير، ورواه البخاري معلقا بلفظ.: واشترى ابن مسعود جارية، والتمس صاحبها سنة، فلم يجده، وفُقِد، فأخذ يعطي الدرهم، والدرهمين، وقال: اللهم عن فلان، فإن أتى فلي وعليَّ. ووصله سعيد بن منصور بسند جيد، كما في الفتح.

وفي رواية للطبراني: فإن أبى ـ بدلا: فإن أتى ـ قال الحافظ في الفتح: فرأى ابن مسعود أن يجعل التصرف صدقة، فإن أجازها صاحبها إذا جاء، حصل له أجرها، وإن لم يجزها، كان الأجر للمتصدق، وعليه الغرم لصاحبها، وإلى ذلك أشار بقوله: فلي، وعليَّ ـ أي: فلي الثواب، وعليَّ الغرامة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني