الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

محاذير في البيع والشراء في سوق العملات بنظام المارجن

السؤال

أتعامل في سوق العملات بنظام المارجن، حيث أقوم بالبيع والشراء في نفس اليوم، حيث لا يأخذ الوسيط الذي أتعامل معه أي عمولات، ولكن يأخذ نسبة 30% من الأرباح. وكما قلت سابقا فإنني أشتري وأبيع العملة في نفس اليوم، لأنني أعلم أن من شروط صحة الصرف: التقابض في مجلس العقد.
فهل يعتبر مجرد القيد المصرفي قبضا حكميا كافيا لصحة الصرف؟ لأنني أبيع العملة قبل التسوية التي تتأخر من يوم إلى يومي عمل.
فهل بيع العملة قبل التسوية جائز لصحة المعاملة، وأكتفي بالقبض الحكمي -القيد المصرفي- لأنني إن لم أقم بإغلاق الصفقة في نهاية اليوم سأدفع عمولة التبييت.
إذا كان القيد المصرفي غير كاف في صحة الصرف. فلماذا أجازوا القيد المصرفي في شراء الذهب، والعملات بالبطاقة المصرفية؛ لأن البطاقات المصرفية تتأخر فيها المقاصة من يوم إلى يومي عمل. وهل التداول بدون مارجن، مع دفع رسوم التبييت، ومع تحقق التقابض، يجوز أو لا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد جاء في قرار مجمع الفقه الإِسلامي المتعلق بشأن القبض وصوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامها:

إن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعًا وعرفًا: القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية:

(أ) إذا أُودِع في حساب العميل مبلغ من المال مباشرة، أو بحوالة مصرفية.

(ب) إذا عقد العميل عقد صرف ناجز بينه وبين المصرف، في حالة شراء عملة بعملة أخرى، لحساب العميل.
(ج) إذا اقتطع المصرف - بأمر العميل - مبلغًا من حساب له إلى الحساب آخر، بعملة أخرى، في المصرف نفسه أو غيره، لصالح العميل أو لمستفيد آخر، وعلى المصارف مراعاة قواعد عقد الصرف في الشريعة الإِسلامية.
ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسلم الفعلي، للمدد المتعارف عليها في أسواق التعامل. على أنه لا يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة خلال المدة المغتفرة، إلاَّ بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسلم الفعلي. اهـ.

وجاء مثل ذلك في المعيار رقم (1) من المعايير الشرعية، الصادرة عن هيئة المراجعة والمحاسبة للمؤسسات المالية الإسلامية. وهو المعيار المتعلق بالمتاجرة في العملات.

وانظر الفتاوى: 368884، 428179، 439072.

وهذا المغتفر من تأخير القيد المصرفي إلى أن يتمكن المستفيد من التسلم الفعلي، للمُدَدِ المتعارف عليها في أسواق التعامل - هو ما أشار إليه السائل بالتسوية، ومعناها دخول كلا البدلين في حساب كلا المتصارفين، بحيث يتمكن كل منهما من التصرف في عملته بالسحب وغيره.

وهذا إن اغتفر في الحكم بحصول القبض، إلا أن البيع لا يصح خلال هذه المدة المغتفرة، بل لا بد من حصول التسلم الفعلي. وإمكان سحب العملة والتصرف فيها، ليصح بيعها.

ولذلك جاء في القرار، والمعيار السابقين: على أنه لا يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة خلال المدة المغتفرة، إلا بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسلم الفعلي. اهـ.

وهذا ما لا يفعله السائل، حيث يقول: (إنني أبيع العملة قبل التسوية التي تتأخر من يوم إلى يومي عمل).

وإذا أراد الخروج من هذه العلة وقع في علة أخرى، وهي رسوم التبييت، وهي فائدة ربوية صريحة.

وانظر الفتويين: 103860، 332335.

وهنا نود الإشارة إلى أن الاستثمار في المضاربة على أسعار العملات (الفوركس)، من أخطر أنواع الاستثمار، لكون أسعار العملات تتقلب باستمرار، وهي شديدة التأثر بالمتغيرات الاقتصادية والسياسية، بشكل غير متوقع أحيانا، مما يجعل توقع اتجاه السعر ليس سهلا.

ولأن المضاربة تقوم على التخمين والمجازفة، بناء على ما يتوقع من نتائج في المستقبل، وذلك محاط بقدر من الكذب، والدعاية التي توقع بصغار المستثمرين.

وقد نبه على ذلك بعض الباحثين كالأستاذ الدكتور صالح المرزوقي الأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي في بحثه: (الاتجار في العملات عبر وسائل الاتصال الحديثة، وأشهر صور المضاربة في الأسواق العالمية) المنشور في العدد (39) من مجلة مجمع الفقه (ص36، 37)

وبهذا تعلم أنه حتى لو فرض توفر كل الضوابط الشرعية في التعامل في هذا المجال، إلا أن الأسلم للمرء، والأحوط له في دينه اجتناب ذلك. ومن ترك شيئا لله، عوضه الله خيرا منه. وسبل الكسب الحلال كثيرة لمن تحراها.

وقد صح عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن روح القدس نفث في روعي: إن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب.

وهو في الحلية لأبي نعيم عن أبي أمامة -رضي الله عنه- وعزاه ابن حجر لابن أبي الدنيا، وذكر أن الحاكم صححه من طريق ابن مسعود.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني