الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من الذي يضمن مال الزكاة إذا ضاع من يد الوكيل في إخراجها؟

السؤال

تزوج رجل من امرأة، فطلبت الخلع بعد عدة أشهر، وتم ذلك. والزوج مستأمن على مال الزكاة، واكتشف لاحقًا أنها قد أخذت المال قبل خروجها من بيته، وقد اعترفت بذلك مبررة ذلك بأنها قد أخذت حقها. وقد أُعلِمت حينما كانت في بيته أن هذا المال ليس له، وأنه أمانة. وأُعلمت عند اكتشاف أخذها المال أنه مال زكاة، وصاحب الزكاة لا يعلم بسرقة المال. ألا تسمى هذه سرقة؟ وهل على صاحب الزكاة إعادة إخراجها؟ أم على الزوج دفعها، وليس لديه الاستطاعة؟ أم يقع الإثم عليها بعد أن أخبرت؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا ريب في تحريم ما فعلَتْه هذه المرأة، وهي مطالبة برد هذا المال، إذ ما فعلَتْه من الخيانة المحرمة شرعا، ولكنها ليست من السرقة التي توجب الحد، لمكان الشبهة، وعدم الحرز.

قال ابن نجيم في البحر الرائق: لو عزل الرجل زكاة ماله، ووضعه في ناحية من بيته، ‌فسرقها منه سارق، لم تقطع يده، للشبهة. اهـ.

وقال ابن عبد البر في الاستذكار: لا يقطع الرجل لامرأته، ولا المرأة لزوجها، ولا عبد واحد منهما سرق من مال الآخر شيئا؛ للأثر، والشبهة، وبخلطة كل واحد منهما صاحبه؛ لأنها خيانة، لا سرقة. اهـ.

وقال البهوتي في شرح الإقناع: وَإِنْ حَلَفَ عَلَيْهَا -أَيْ عَلَى امْرَأَتِهِ- لَمَا سَرَقَتْ مِنِّي شَيْئًا، فَخَانَتْهُ فِي وَدِيعَةٍ، لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّ الْخِيَانَةَ لَيْسَتْ سَرِقَةً، لِعَدَمِ الْحِرْزِ، إلَّا أَنْ يَنْوِي ذَلِكَ، فَيَحْنَثُ. انتهى.

وطالما أن هذا المال سرق من وكيل المزكي، ولم يصل ليد مستحقيه، فعلى صاحبه أن يؤدي بدلا عنه في الزكاة.

قال النووي في المجموع: ما لم ‌يصل ‌المال ‌إلى ‌المستحقين لا تبرأ ‌ذمة المالك. اهـ.

وقال الحجاوي في الإقناع: إن ‌تلفت في ‌يد ‌الوكيل قبل أدائها، فمن ضمان رب المال، ويشترط لملك الفقير لها وإجزائها عن ربها قبضه لها. اهـ.

وقال البهوتي في كشاف القناع: وإن أخرج زكاته -أي عزلها- فتلفت قبل أن يقبضها الفقير لزمه- أي رب المال- بدلها كما قبل العزل؛ لعدم تعينها؛ لأنه يجوز العود فيها إلى بدلها، ولم يملكها المستحق، كمال معزول لوفاء رب الدين، ‌بخلاف ‌الأمانة. اهـ.

وأما الوكيل -السائل-؛ فلا ضمان عليه، ولا يرجع عليه المزكي بهذا المال، إلا إن كان قد فرَّط في حفظه، كأن يكون عالمًا بأن امرأته قد تأخذه، ومع ذلك تركه في متناول يدها، ولم يحفظه منها،وكذا إن كان تعدى بإبقاء المال عنده وهو مأمور بتوزيعه مباشرة دون تأخير، وانظر الفتوى: 408358.

وإذا لم يضمن الوكيل رجع صاحب المال على تلك المرأة بما أخذته.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني