الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام تقصير الزوج في نفقة زوجته وأولاده وعلاجهم والمنة عليهم

السؤال

زوجي دائم الغضب حتى على أتفه الأسباب، ويوبخني أمام أطفالي، ويلقي باللوم عليّ عند المشاكل، ويمنّ علينا بالنفقة، وأغلبها طعام وشراب. ويعيرنا بها في بعض المشاكل.
ولا يشتري لأولاده لباسا إلا في المناسبات، وبعد إقناع طويل حتى إنهم يمضون يومين في إقناعه أن يشتري لهم لباس العيد. أما أنا فلم أعد أطلب منه لباسا؛ لأنه بخيل في هذه الجزئية، ويحتاج لكثير من الإقناع، ولم أعد أقوى على النقاش معه؛ لأنه عنيد جداً حتى إنني حاولت العمل لأصرف على نفسي وأولادي، فلم يرض، وحدثت بيننا مشاكل كثيرة خلال فترة عملي؛ فتوقفت، وجلست في البيت للتخفيف منها.
وإذا مرض أحد الأولاد يمنّ علينا بالأموال التي صرفها على الدكتور والأدوية، حتى إنه يحتاج لإقناع ليأخذه للطبيب في بعض الحالات.
وقد حدثت تراكمات بيننا، وفجوة كبيرة مؤخرا؛ لأنني أضطر للمبيت بجانب ابني؛ لأنه يخاف ليلا، مع أنني حاولت المبيت بجانب زوجي، إلا أن ابني كان كل ليلة يأتي لينام بيننا، وكان زوجي ينزعج من ذلك، حتى أصبحت أذهب للنوم بجانب ابني.
زوجي يتهمني بالتقصير، مع أنني أحاول أن أطيعه في حقه، لكنني فقدت رغبتي به، وأحاول التمثيل في العلاقة الحميمية، لكنه يكتشف ذلك ويريدني بكامل مشاعري، ويغضب مني، وقد يمر أسبوع وهو غاضب ولا يكلمني.
فماذا أفعل؟
والله، لقد استنفدت جميع مشاعري، وعندنا يرفضون الطلاق. فهل يقع عليٍّ إثم؟
وهل إذا مات وهو غاضب مني، لن أشم رائحة الجنة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان زوجك على هذه الحال في التعامل معكم، فإنه مسيء ومفرط، فقد أمر الله -تعالى- الأزواج بالعشرة الحسنة لأزواجهم. قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}.

قال الجصاص: أمر للأزواج بعشرة نسائهم بالمعروف، ومن المعروف أن يوفيها حقها من المهر والنفقة والقسم، وترك أذاها بالكلام الغليظ، والإعراض عنها، والميل إلى غيرها، وترك العبوس والقطوب في وجهها بغير ذنب، وما جرى مجرى ذلك، وهو نظير قوله تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.. اهـ.

وروى ابن ماجه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خيركم، خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي.

ويجب على الزوج أن ينفق على زوجته وأولاده بالمعروف، بمعنى الكفاية في المأكل والمشرب والملبس والمسكن.

قال البهوتي في الروض المربع، وهو يعرف بالنفقات: جمع نفقة، وهي: كفاية من يمونه خبزا وإداما، وكسوة ومسكنا وتوابعها.... انتهى.

فإن قصَّر الزوج في شيء من ذلك مع قدرته، فإنه يأثم. روى أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثما، أن يضيع من يقوت.

وهنالك خلاف بين الفقهاء في العلاج، هل يدخل في النفقة الواجبة أو لا، وسبق تفصيل القول في ذلك، في الفتوى: 166893. وعلى كل تقدير، فمن حسن العشرة والخيرية للأهل الإنفاق على علاجهم، والوقوف معهم وقت احتياجهم. ففي ذلك الأجر العظيم، والثواب الجزيل.

وإذا قصر الزوج في نفقة الزوجة والأولاد، فمن حق الزوجة إن عثرت له على مال أن تأخذ من ماله دون علمه، بمقدار ما قصر فيه.

قال الخرقي في مختصره: وعلى الزوج نفقة امرأته ما لا غناء لها عنه، وكسوتها. فإن منعها ما يجب لها أو بعضه، وقدرت له على مال أخذت منه مقدار حاجتها بالمعروف. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند حين قالت: إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي. فقال: خذي ما يكفيك وولدك، بالمعروف.

فإن منعها ولم تجد ما تأخذه، واختارت فراقه، فرق الحاكم بينهما.... انتهى.

إذن يمكن في نهاية المطاف أن ترفعَ الأمر إلى القاضي الشرعي، إن اقتضى الأمر ذلك.

وليس للزوج أن يمتن على أهله بما ينفق عليهم، فما كان واجبا فلا منة له فيه، بل هو لازم له، وما كان من قبيل الإحسان والتبرع فإن الامتنان فيه مُضَيِّع للأجر، ومُبْطِل لثواب العمل الذي امتن به صاحبه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى {البقرة:264}.

وروى مسلم عن أبي ذر -رضي الله عنه- عن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال: « ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم» قال: فقرأها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرار. قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: « المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب».

والمرأة يجب عليها أن تطيع زوجها إذا دعاها للفراش، ولا يجوز لها الامتناع لغير عذر، وإلا استحقت الوعيد الذي ورد في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها. لعنتها الملائكة حتى تصبح.

فإن كنت لا تمتنعين عن إجابته إذا دعاك للفراش فلا إثم عليك، وإذا غضب عليك بسبب ما ذكرت من المشاعر فلا حق له في ذلك. فأمر المشاعر لا اختيار للإنسان فيه، فلا تكليف به، ولكن يكفي أن لا يكون قد حدث منك تبرم ونحوه عند المعاشرة.

وبخصوص أمر ابنكما: فإن كان يخشى عليه ضرر بنومه وحده، فيجب دفع الضرر عنه بنومك معه، أو نوم زوجك معه، أو نومه معكما.

وينبغي الاجتهاد في سبيل بث الطمأنينة في نفسه، حتى يتيسر له النوم وحده في غرفة مستقلة، فيزول الإشكال.

ولمزيد الفائدة، راجعي الفتوى: 33858.

وننبه إلى أن المرأة إذا كانت متضررة من زوجها، كان لها الحق في طلب الطلاق، وسبق بيان ذلك في الفتوى: 37112.

وليس لأهلها منعها من طلب الطلاق، هذا، مع التنبيه إلى أن الطلاق قد لا يكون الأفضل في حق المرأة، بل قد يكون الصبر خيرا لها مع الدعاء بأن يصلح الله الحال، ويحسن العشرة، فالطلاق له أضرار كثيرة، وخاصة على الأولاد.

وانظري الفتوى: 452620.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني