الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من الذي يتحمل ما يجب على الابن من دية أو نحوها؟

السؤال

ابني عمره 15 سنة، وقد أصاب ولدا بحجر كبير في رأسه دون قصد أو تعمد، حيث إن ولدًا ثالثًا بدأ بقذف هذا الحجر على ابني؛ فتناول ابني هذا الحجر ليقذفه عليه، فأصاب الولد دون تعمد. وتسبب ذلك في كسر صغير في الجمجمة، وقد أجريت له عملية كلَّفت 40 ألف جنيه.
فهل أتحمل التكلفة وحدي، أو يشترك معي أهل الولد الذي بدأ بقذف الحجر أولًا على ابني؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الفصل في قضايا الجنايات والمنازعات محلُّهُ المحاكمُ الشرعية، أو من ينوب منابها، وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الدعاوي والبينات والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.

وأما المفتي فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء، ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا، وما سنذكره هنا إنما هو على سبيل العموم والإرشاد والتوجيه.

وعلى كل: فإن الرامي الذي أصاب المجني عليه هو الجاني الضامن، وكون رميه كان رد فعل على رمي غيره له، وقصده بالرمي الرد على الرامي الأول، لا يسقط عنه شيئا من الضمان، ولا يوجب اشتراك الرامي الأول مع الجاني في الضمان، لمباشرته للجناية، فهو الضامن وحده.

قال ابن قدامة في الكافي: وإن رمى إنسانا من علو، فتلقاه آخر بسيف، فقتله، فالضمان على القاتل؛ لأنه مباشر، والملقي متسبب، فكان الضمان على المباشر، كالحافر والدافع. اهـ.

وفي الأشباه والنظائر للسيوطي: القاعدة الأربعون: إذا اجتمع السبب، أو الغرور، والمباشرة، قدمت المباشرة.

من فروعها:...

لو حفر بئرا فردَّاه فيها آخر، أو أمسكه فقتله آخر، أو ألقاه من شاهق فتلقاه آخر فَقَدَّه، فالقصاص على المردي والقاتل والقادِّ فقط. اهـ.

وكسر الجمجمة ليس فيه دية مقدرة، وإنما تجب فيه حكومة العدل يقدرها القاضي باجتهاده، أو من يقوم مقامه، سواء برئ وعاد كما كان أم لا، وهذا مذهب جمهور أهل العلم.

ويرى المالكية: أن العضو المكسور إن برئ، وعاد كما كان، فلا شيء فيه، وإلا ففيه حكومة.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة: إلى أنه ليس في كسر العظم أرش مقدر شرعًا، وإنما تجب فيه الحكومة، وهي ما يراه الحاكم أو المحكم بشرطه. واستثنوا منها السن؛ ففيه أرش مقدر، وهو خمسة أبعرة؛ للنص ...

وقال المالكية: إن لم يجب في كسر العظم قصاص، وبرئ وعاد العضو لهيئته، فلا شيء فيه. وإن برئ وفيه اعوجاج ففيه الحكومة. اهـ.

وأما تحميل الجاني أجرة علاج المجني عليه، فقد قال به بعض العلماء، كما سبق في الفتوى: 342691.

والذي يتحمل ما يجب على الجاني خطأ هي عاقلته، على اختلاف بين العلماء في حدود تحمل العاقلة، فالجمهور على أن العاقلة لا تحمل ما دون الثلث، بل يكون ذلك في مال الجاني.

والأب لا يلزمه تحمل ما يجب على ابنه -سواء كان الابن بالغًا كابن خمس عشرة سنة، أم كان صبيا دون البلوغ- ، بل يجب ذلك في مال الابن إن كان له مال، وإلا بقي في ذمته.

قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: وإذا وجب على الصبي شيء، ولم يكن له مال، حمله عنه أبوه في إحدى الروايتين عن أحمد، وروي ذلك عن ابن عباس. وفي الرواية الأخرى، وهو قول الأكثرين: أنه في ذمته; وليس على أبيه شيء. اهـ.

وانظر للفائدة، الفتويين: 359386 - 179791.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني