الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بذل الابن نفقة حجه لوالديه ليعتمرا بها

السؤال

معي مبلغ من المال كنت أنوي أن أحج به، وأبي وأمي كبيران في السن، ولم يتيسر لهم الذهاب إلى بيت الله الحرام قبل هذا، فهل الأفضل أن أعطي هذا المال لأبي وأمي ليعتمرا به؟ أم أحج أنا عن نفسي؟
وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كنت لم تحج حجة الإسلام؛ فالواجب عليك المبادرة للحج، لا أن تؤثر والديك بالمال الذي لا تملك غيره للحج. فالحج واجب على الفور على الراجح عندنا.

جاء في المغني لابن قدامة: من وجب عليه الحج، وأمكنه فعله، وجب عليه على الفور، ولم يجز له تأخيره، وبهذا قال أبو حنيفة، ومالك، وقال الشافعي: يجب الحج وجوبا موسعا، وله تأخيره... ولنا، قول الله تعالى: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا {آل عمران: 97} وقوله: وأتموا الحج والعمرة لله {البقرة: 196} والأمر على الفور، وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: من أراد الحج فليتعجل. رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وفي رواية أحمد، وابن ماجه: فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة... وعن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله، ولم يحج، فلا عليه أن يموت يهوديا، أو نصرانيا. قال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي إسناده مقال... ولأنه أحد أركان الإسلام، فكان واجبا على الفور، كالصيام. اهـ.

والإيثار بالواجبات لا يجوز، جاء في الأشباه والنظائر للسيوطي: قال الجويني: لو دخل الوقت، ومعه ماء يتوضأ به، فوهبه لغيره ليتوضأ به، لم يجز، لا أعرف فيه خلافًا. اهـ.

وفي مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى للرحيباني: وإن كان -أي: ماء الطهارة- ملكا لأحد المحتاجين إليه تعيَّن له، لقدرته عليه، وتمكنه منه، ولم يجز له أن ‌يؤثر ‌به غيره، ولو أحد أبويه، لتعينه لأداء فرضه، وتعلق حق الله به. اهـ

وأما إن كنت حججت حجة الإسلام: فلا حرج في أن تؤثر والديك بالمبلغ الذي رصدته لتحج به حج نافلة من أجل أن يعتمرا به، فإن الإيثار بالقرب ليس بمكروه على الراجح عندنا، لا سيما إذا كان فيه مصلحة شرعية؛ مثل تقديم أهل الفضل كالوالدين.

جاء في غمز عيون البصائر للحموي: ... وَإِنْ سَبَقَ أَحَدٌ بِالدُّخُولِ إلَى الْمَسْجِدِ، وَأَخَذَ مَكَانَهُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَدَخَلَ رَجُلٌ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا أَوْ أَهْلُ عِلْمٍ، يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ، وَيُقَدِّمَهُ تَعْظِيمًا لَهُ " انتهى

وقال ابن عابدين في حاشيته على الدر المختار معلقا على هذا: أقول: وينبغي تقييد المسألة بما إذا عارض تلك القربة ما هو أفضل منها؛ كاحترام أهل العلم والأشياخ... فيكون الإيثار بالقربة انتقالا من قربة إلى ما هو أفضل منها، وهو الاحترام المذكور، أما لو آثره على مكانه في الصف مثلا من ليس كذلك، يكون أعرض عن القربة بلا داع، وهو خلاف المطلوب شرعا. اهـ.

وانظر الفتوى: 59691.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني