الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إصرار البنت على ألا تتزوج حتى تتوظف على خلاف رغبة أمها وإخوتها

السؤال

أختي تبلغ من العمر 25 سنة، وتريد العمل، ولا تريد الزواج، وأمي وإخوتي يريدون هذا الأخير، وهي مصرة على هذا الأمر حتى إنها حلفت ألا تتزوج حتى تعمل. فما العمل؟
جزاكم الله خيرا، وبارك فيكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا ينبغي للمرأة تأخير الزواج بحجة العمل أو غيره، فالنكاح من الأمور المشروعة، والمرغب في المسارعة إليها.

ففي مسند الإمام أحمد، والمستدرك للحاكم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ثلاث لا يؤخرن: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأَيِّم إذا وجدت كفؤًا.

بل قد يكون واجبًا في بعض الأحوال، وهو أفضل من التفرغ لنوافل العبادات، وذلك لما في النكاح من المصالح العظيمة التي لا تحصل إلا به، كمصلحة العفاف، وتحصين الفرج، وحصول الذرية، وغير ذلك.

جاء في «الكافي في فقه الإمام أحمد» لابن قدامة: النكاح مشروع، أمر الله به ورسوله، فقال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3]. وقال سبحانه: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32]». وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فليصم، فإن الصوم له وجاء». وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إني أتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني».

وقال سعد بن أبي وقاص: «لقد رد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أحله له لاختصينا». متفق عليهما، والتبتل: ترك النكاح.

وقد روي عن أحمد: أن النكاح واجب. اختاره أبو بكر؛ لظاهر هذه النصوص.

فظاهر المذهب أنه لا يجب إلا على من يخاف بتركه مواقعة المحظور، فيلزمه النكاح؛ لأنه يجب عليه اجتناب المحظور، وطريقه النكاح.

ولا يجب على غيره؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3]، ولو وجب لم يعلقه على الاستطابة. والاشتغال به أفضل من التخلي للعبادة، لظاهر الأخبار. فإن أقل أحوالها الندب إلى النكاح، والكراهة لتركه. اهـ.

فينبغي نصح أختكم، وتذكيرها بهذه النصوص، والمعاني الشرعية، والدعاء لها بالهداية والصلاح، وأن ييسر الله لها الخير.

وأما يمين أختك بتأخير الزواج: فيشرع لها الحنث فيها، والتكفير عن يمينها, ففي الصحيحين عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا حلفت على يمين، فرأيت غيرها خيرا منها، فأت الذي هو خير، وكفر عن يمينك.

قال النووي في شرح صحيح مسلم: في هذه الأحاديث دلالة على من حلف على فعل شيء أو تركه، وكان الحنث خيرا من التمادي على اليمين، استحب له الحنث، وتلزمه الكفارة. وهذا متفق عليه. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني