الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بيع الدين على من هو عليه بقدر القيمة دون زيادة

السؤال

أعمل بالطباعة، استعار مني شخص 11 كرتونة من الورق من نوع معين، كنت قد اشتريت الواحدة ب 800ج، اتفقنا على أن يردها بعد أسبوع على هيئة ورق من نفس النوع. مضت 3 أشهر في المماطلة؛ فطلبت منه نقودها، سعر الكرتونة حاليا 750ج.
هل يرد بسعر الكرتونة التي أخذها، أو السعر الحالي على أساس أنه كان سيردها أوراقا؟
نحن لسنا على خلاف في الحالتين، لكن أسأل عن موقف الشرع من ذلك.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذه ليست استعارة، وإنما هي قرض؛ لأن الاستعارة إباحة الانتفاع بعين من أعيان المال، ثم ترد العين نفسها، بخلاف القرض فإنه تمليك لعين المال، على أن يرد بدله.

والقرض يصح في كل ما يجوز بيعه سلما.

قال ابن قدامة في «المقنع»: يصح في ‌كل ‌عين ‌يجوز ‌بيعها، إِلا بني آدم والجواهر ونحوها، مما لا يصح السلم فيه، في أحد الوجهين فيهما .. ويجب رد المثل في المكيل والموزون، والقيمة في الجواهر ونحوها. اهـ.
وكراتين الورق هذه مثلية -فيما يظهر- وبالتالي فعلى صاحبك أن يرد إليك كراتين مثلها نوعا وعددا أياً كان سعرها، وهذا هو الثابت الآن لك في ذمته، ولكن لو اتفقتما على أن يعطيك قيمتها فلا حرج في ذلك، وهذا من قبيل بيع الدين لمن هو عليه. وتكون تلك القيمة بسعر يومها لا بأكثر من قيمتها؛ لئلا تربح فيما لا تضمن.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: ويجوز بيع الدين في الذمة من الغريم وغيره. ولا فرق بين دين السلم وغيره. وهو رواية عن أحمد، وقال ابن عباس لكن بقدر القيمة فقط؛ لئلا يربح فيما لم يضمن. انتهى.

وقال أيضا في (جامع المسائل): نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربح ما لم يضمن، ولا تبع ما ليس عندك. قال الترمذي: حديث صحيح.

ولما سأله ابن عمر أنهم يبيعون بالبقيع بالذهب ويقبضون الورق، ويبيعون بالورق ويقبضون الذهب، فقال: «لا بأس إذا كان بسعر يومه». فلم يجوز بيع الدين ممن هو عليه بربح، فإنه يربح فيما لم يضمن، فإنه لم يقبضه ولم يصر في ضمانه. اهـ.

وقد ذكرت في السؤال أن سعر الكرتونة حاليا 750ج. وإذا كان الأمر كذلك، واخترتما أن يدفع لك قيمة الكراتين بدلا من رد مثلها. فعليه أن يدفع إليك هذا الثمن عن كرتونة الورق، دون زيادة؛ لأن بيع الدين على من هو عليه بزيادة، يؤدي إلى سلف جر نفعاً، وهذا ممنوع.

وعلل شيخ الإسلام المنع بأن المال في ذمة المقترض وضمانه عليه، فإذا ربح فيه المقرض، فقد ربح فيما لم يدخل ضمانه، وهذا منهي عنه أيضا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني