الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم اشتراك شخصين بمجهوديهما والمال من أحدهما، وكيفية تقسيم الربح

السؤال

هل يجوز إنشاء عقد مضاربة بين شخصين:
الأول يقدم مجهوداً، ورأس المال.
والثاني يقدم مجهوداً.
على أن يأخذ الطرف الثاني نسبة معلومة من حجم المبيعات، وليس من الربح؟
وهل يحق للطرف الثاني في حالة أخرى. استثناء بعض المصاريف من الأرباح الحاصلة عند تقاسم نسبة الربح؟
فمثلاً هناك صافي أرباح، ومجمل أرباح. ولصعوبة احتساب صافي الربح؛ لاختلاط الجهود والأموال المقدمة من صاحب المشروع مع ماله الخاص. تم الاتفاق على المصاريف التي تحسم من الأرباح، والمصاريف التي لا تحسم. وبناء عليه تم تحديد النسبة من مجمل الأرباح؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاشتراك شخصين بمجهوديهما، على أن يكون المال من أحدهما دون الآخر، يصح على مذهب الحنابلة.

قال الخرقي في مختصره: إن اشترك بدنان بمال أحدهما، أو بدنان بمال غيرهما، أو بدن ومال، أو مالان وبدن صاحب أحدهما، أو بدنان بمالهما، تساوى المال، أو اختلف - فكل ذلك جائز - والربح على ما اصطلحا عليه. اهـ.
وههنا اشترك بدنان بمال أحدهما، وهذا يصح مضاربة على مذهب الحنابلة، خلافا للجمهور، ويقسم الربح بحسب ما يتفقان عليه.

قال ابن قدامة في المغني: أن يشترك بدنان بمال أحدهما. وهو أن يكون المال من أحدهما والعمل منهما، مثل أن يخرج أحدهما ألفا، ويعملان فيه معا، والربح بينهما. فهذا جائز. ونص عليه أحمد في رواية أبي الحارث.

وتكون مضاربة؛ لأن غير صاحب المال يستحق المشروط له من الربح بعمله في مال غيره، وهذا هو حقيقة المضاربة.

وقال أبو عبد الله بن حامد، والقاضي، وأبو الخطاب: إذا شرط أن يعمل معه رب المال، لم يصح.

وهذا مذهب مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي، وأبي ثور، وابن المنذر. اهـ.
وقال أيضا: إذا اشترك بدنان بمال أحدهما، مثل أن يخرج أحدهما ألفا ويعملان جميعا فيه، فإن للعامل الذي لا مال له من الربح ما اتفقا عليه؛ لأنه مضارب محض، فأشبه ما لو لم يعمل معه رب المال. اهـ.
وهذا إجمالا من حيث الأصل.

وأما التفصيل الذي ذكره السائل فلم يتضح لنا بدرجة كافية. ولكن ننبه على مسألتين على وجه العموم:
الأولى: أن الربح وإن كان يجوز الاتفاق على قسمه بأي نسبة مشاعة، إلا أن هذه النسبة لا بد أن تكون معلومة ومضافة إلى الربح، لا إلى رأس المال، ولا إلى جزء منه.

قال الخرقي في مختصره: والربح على ما اصطلحا عليه.

فقال ابن قدامة في شرحه: يعني في جميع أقسام الشركة. ولا خلاف في ذلك في المضاربة المحضة.

قال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن للعامل أن يشترط على رب المال ثلث الربح، أو نصفه، أو ما يجمعان عليه، بعد أن يكون ذلك معلوما جزءا من أجزاء".

ولأن استحقاق المضارب الربح بعمله، فجاز ما يتفقان عليه من قليل وكثير، كالأجرة في الإجارة، وكالجزء من الثمرة في المساقاة والمزارعة. اهـ.

والثانية: أن الربح لا يكون ولا يعرف إلا بعد سلامة رأس المال، فإذا لم يسلم رأس المال فلا ربح.

قال الخرقي: وليس للمضارب ربح حتى يستوفي رأس المال.
وقال ابن قدامة في شرحه: يعني أنه لا يستحق أخذ شيء من الربح حتى يسلم رأس المال إلى ربه، ومتى كان في المال خسران وربح، جبرت الوضيعة من الربح، سواء كان الخسران والربح في مرة واحدة، أو الخسران في صفقة والربح في أخرى، أو أحدهما في سفرة والآخر في أخرى؛ لأن معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال، وما لم يفضل فليس بربح. ولا نعلم في هذا خلافا. اهـ.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني