الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية التعامل مع الأرحام المسيئين للعِشْرة

السؤال

عندي 55 سنة، وأعي جيدا صلة الأرحام، ولها بركات ولطائف معي ملموسة، مع الاستغفار وكثرة الدعاء، فأنا مصاب بمرض نادر وخطير -وهو الناعور أو الهيموفيليا- وبهاق منتشر بنسبة: 95%، وتآكل في المفاصل، ولكن بسبب ما سبق فإنني أتعايش معها -والحمد لله- وأقول إنها منح وعطايا من الله، وليست مِحَنًا، ولم لا؟ ويعجب ربنا من قوم يدخلون الجنة بالسلاسل، عانيت من إخوتي أشد المعاناة، وافتعال المشاكل وهم طماعون، وقساة، لا يرون إلا أنفسهم، تحملتهم سنين، لدرجة أنني كلما أحسنت زادوا في الإساءة، وكأن صلة الأرحام عندهم واجبة علي فقط، وقد اشتد الإيذاء النفسي، والطمع، فتركت لهم القرية وسكنت بعيدا ب:2 كيلو، لكن أخي الأكبر لا يستكثر النعمة على أحد من عباد الله إلا علي، رغم غناه، وهو أحسن حالا مني بكثير، وهو يكبرني ب: 8 سنوات، ويخلو من المسؤولية -والحمد لله- ولكنه يتباكى أمام الناس ويتظاهر بمحبتي، مع العلم أنه حسود، ولا يطيق النعمة عندي، ولو دخل البيت فستحدث مشاكل، ودائما يحرضني على الأولاد، وقد نزلت إلى البلد لظروف سنتين فرأيت فيهما منه ومن بيته قسوة عجيبة، وربما لا يتخيل أحد أنه لم يشاركنا في فرح ابنه الطبيب على الرغم من خدمة زوجتي وأولادى -بينين وبنات- فقررنا العودة بعيدا عنه، وكذا حال أخواتي، فإنهن متزوجات، ولا يعرفن أي حقوق لي، ولا واجبات هن وأزواجهن، وأولادهن، على الرغم من أنني في أشد الحاجة للوقوف بجانبي، مللت وسئمت من هذا العمر الطويل، فهذا الحال منذ أكثر من: 30 سنة، وكلهم يحسدون زوجتي وأولادي، مما يسبب أذى نفسيا كبيرا، والمصيبة أنني لا أنقطع عنهم، وهم يقاطعونني ويشوهون صورتي وصورة بيتي، مع العلم أننا لا نبتغي الخير إلا من الله، فهل علي ذنب، مع العلم أن بيتي مفتوح للجميع -الأعمام، والأخوال، والعمات، والخالات، والأخوات- أما أخي الأكبر: فالأولاد يقولون لا يمكن فتح البيت له، ويقولون لا تعطى له الفرصة؟ وما الحل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يفرج همك، وينفس كربك، ويصلح ما بينك وبين أهلك، ويشفيك شفاء تاما لا يغادر سقما.

ونوصيك بالاستمرار في الالتجاء إلى الله -عز وجل-، والاطِّراح بين يديه، وسؤاله حاجتك؛ ففضله واسع، وعنده خزائن الرحمة، وهو السميع المجيب سبحانه القائل في محكم كتابه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}.

فعلِّق قلبك بالله سبحانه؛ ليغنيك عن الناس، أو ليسخر لك خلقه ليعينوك.

وإن كان إخوتك على ما ذكرت من إساءة المعاملة والأذى؛ فلا شك في أنهم مخطئون بذلك خطئا كبيرا، فالرحم حقها أن توصل لا أن تقطع، وقطيعة الرحم ذنب عظيم، وكبيرة من كبائر الذنوب، وإذا كنت تحرص على صلتهم وهم من يصرون على قطيعتك، فالإثم عليهم، لا عليك، ولا يؤاخذ أحد بجريرة الآخر، قال تعالى: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى{الأنعام:164}.

ولعلك إذا صبرت عليهم؛ دفع الله عنك شرورهم، وسلمك من أذاهم، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم، ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم، ما دمت على ذلك.

واستمر في الاستغفار؛ فإنه أمان بإذن الله -سبحانه-، كما قال الله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ {الأنفال:33}.

وعليك بالإكثار من ذكر الله -عز وجل-، فإن ذلك مما يقوى به القلب، ويعين على الصبر.

والواجب بذل النصح لهم، وتذكيرهم بالله -عز وجل-، وبيان خطورة ما هم عليه من إساءة معاملتكم، ويمكن الاستعانة في ذلك بالفضلاء من الأقارب والأصدقاء، ليسعوا في الإصلاح بينكم. قال تعالى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:114}.

وروى أبو داود، والترمذي عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام، والصلاة، والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البيت الحالقة.

وقد أحسنت بجعلك بابك مفتوحًا لأقاربك، وما ذكرت عن أولادك من كونهم يريدون إغلاق الباب دون أخيك الأكبر؛ فهذا نوع من الهجر، ولكن أهل العلم يذكرون أن الهجر ينبغي أن تراعى فيه المصلحة، فيترك إن خُشي أن يزداد به الأمر سوءًا وتعقيدا للمشكلة، ولذلك ينبغي التروي فيه.

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم، وقلتهم وكثرتهم، فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه، ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر، وخفيته كان مشروعا، وإن كان لا المهجور، ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف، بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر؛ بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف؛ ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتألف قوما، ويهجر آخرين.... انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني