الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعطى زكاة ماله لبنته لتسلمه لجمعية خيرية وقالت لهم هذه صدقة

السؤال

قام خالي بإعطاء ابنته مال الزكاة لتقوم بتسليمه لإحدى الجهات الخيرية، وحينما سألوها أتريد أن تخرجه زكاة؟ أم صدقة؟
قالت صدقة، فماذا يلزم خالي الآن؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كانت الجمعية الخيرية قد صرفت زكاة خالك في غير مصارف الزكاة ظنا منها أنها صدقة نافلة وليست زكاة ــ بناء على جواب ابنته ــ فإن خالك لم تبرأ ذمتُه بعدُ من الزكاة، لأنها لم تقع موقعها الشرعي، فالواجب عليه إخراج الزكاة، ويجوز له الرجوع على ابنته بذلك المبلغ ــ إن شاء ــ لكونها فرطت فيما أوكله إليها، وانظر الفتوى: 381101.
وإن كانت الجمعية قد صرفت المبلغ في مصارف الزكاة، فلا يلزم خالك شيءٌ، والزكاة وقعت موقعها، ولا يضر كون ابنته أخبرت الجمعية بأنها صدقة، لأن الزكاة صدقة، فقد سمى الله تعالى الزكاة صدقة في آية مصارف الزكاة، فقال سبحانه: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {سورة التوبة:60}.

فسمى الزكاة صدقة، وسمى النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة صدقة، كما في حديث اِبْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ مُعَاذًا -رضي الله عنه- إِلَى الْيَمَنِ... فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ولو فُرِضَ أن ابنته أرادت بذلك صدقة النافلة وليست الزكاة الفريضة، فالعبرة بنيته هو، لأنه هو المزكي، وليست العبرة بنية ابنته، فما دام أنه نوى أن ذلك المبلغ زكاة ووقع في يد مستحقيه، فقد برئت ذمته، بل لو أخبر خالك ابنته ابتداء أن ذلك المال صدقة نافلة وليس زكاة، ثم نواها زكاة قبل أن تفرقها ابنته أجزأه ذلك.

جاء في نهاية المحتاج: لَوْ دَفَعَ مَالًا إلَى وَكِيلِهِ لِيُفَرِّقَهُ تَطَوُّعًا، ثُمَّ نَوَى بِهِ الْفَرْضَ، ثُمَّ فَرَّقَهُ الْوَكِيلُ وَقَعَ عَن الْفَرْضِ إنْ كَانَ الْقَابِضُ مُسْتَحِقًّا. اهــ.
وفي كشاف القناع: وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي إخْرَاجِ زَكَاةِ مَالِهِ، وَدَفَعَ إلَيْهِ مَالًا، وَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ نَفْلًا، أَوْ عَنْ كَفَّارَتِي، ثُمَّ نَوَى الْمُوَكَّلُ الزَّكَاةَ قَبْلَ أَنْ يَتَصَدَّق وَكِيلُهُ أَجْزَأَ عَنْهَا، لِأَنَّ دَفْعَ وَكِيلِهِ كَدَفْعِهِ، فَكَأَنَّهُ نَوَى الزَّكَاةَ، ثُمَّ دَفَعَ بِنَفْسِهِ. اهــ.
وانظر الفتوى: 139330، في ترجيح الاكتفاء بنية الموكل عند إخراج الزكاة وعدم اشتراط نية الوكيل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني