الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا تعارض بين قوله تعالى:(وجمع فأوعى) وبين قوله (وكان تحته كنز لهما)

السؤال

كيف أوفق بين قوله تعالى:(وجمع فأوعى)، وبين قوله تعالى: (وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا)؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإنه لا تعارض بين الآيتين، فأما آية المعارج، فقد وردت في الوعيد لمن جمع المال، ومنع حق الله تعالى فيه.

قال القرطبي في التفسير: وجمع فأوعى، أي جمع المال، فجعله في وعائه، ومنع منه حق الله تعالى؛ فكان جموعا منوعا. اهـ.

وقال ابن كثير: (وَجَمَعَ فَأَوْعَى) أي : جمع المال بعضه على بعض فأوعاه، أي : أوكاه، ومنع حق الله منه من الواجب عليه في النفقات، ومن إخراج الزكاة. وقد ورد في الحديث : "ولا توعي فيوعي الله عليك" اهـ.

وجاء في المجموع شرح المهذب (6/ 12) : جاء الوعيد على الكنز في الأحاديث الصحيحة، قال أصحابنا: وجمهور العلماء: المراد بالكنز المال الذي لا تؤدى زكاته، سواء كان مدفونا، أم ظاهرا، فأما ما أديت زكاته، فليس بكنز، سواء كان مدفونا، أم بارزا، وممن قال به من أعلام المحدثين البخاري، فقال في صحيحه: ما أديت زكاته فليس بكنز ... اهـ.

وأما كنز الغلامين، فليس من الكنز المذموم من جهتين، أحدهما: أن هذا كان في شرع من قبلنا، وقد أبيح الكنز لهم، كما روي عن أبي الدرداء، وقتادة، وغيرهما، وجاء في تفسير عبد الرزاق: (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة، وكان تحته كنزا لهما) قال: مال لهما، نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أرنا مَعْمَرٌ، قَال قَتَادَةَ: «أُحِلَّ الْكَنْزُ لِمَنْ كَانَ قَبْلَنَا، وَحُرِّمَ عَلَيْنَا، وَحُرِّمَتِ الْغَنِيمَةُ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، وَأُحِلَّتْ لَنَا» اهـ.
وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء في قوله تعالى: وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا {الكهف: 82} قال: أحلت لهم الكنوز، وحرمت عليهم الغنائم، وأحلت لنا الغنائم، وحرمت علينا الكنوز. اهـ.
وقال السيوطي في الدر المنثور: وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: { وكان تحته كنز لهما } قال: كان كنز لمن قبلنا، وحرم علينا، وحرمت الغنيمة على ما كان قبلنا، وأحلت لنا، فلا تعجبن للرجل يقول: ما شأن الكنز، أحل لمن قبلنا، وحرم علينا؟ فإن الله يحل من أمره ما يشاء، ويحرم ما يشاء، وهي السنن، والفرائض . . . تحل لأمة، وتحرم على أخرى . اهـ

والوجه الثاني: هو أن الكنز المحرم هو ما لم تؤد زكاته وحقوق الله فيه، وقد بوب الإمام البخاري على هذا فقال: باب: ما أدي زكاته فليس بكنز.انتهى. وأسند عن خالد بن أسلم، قال: خرجنا مع عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، فقال أعرابي: أخبرني عن قول الله: {والذين يكنزون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله} قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: «من كنزها، فلم يؤد زكاتها فويل له، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة، فلما أنزلت جعلها الله طهرا للأموال» انتهى.

وجاء في تفسيرأبي السعود: وكان تحته كنز لهما من فضة، وذهب، كما روي مرفوعا، والذم على كنزهما في قوله عز وجل: (والذين يكنزون الذهب والفضة) لمن لا يؤدي زكاتهما، وسائر حقوقهما. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني