الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من أعطى الكفارة لمتسول ثم شك في استحقاقه لها

السؤال

في الماضي أعطيت طعام كفارة لمتسوّل، ولا أذكر هل غلب على ظني أنه من المستحقين لها أم لا؟ فهل هنا نأخذ بأن الشك بعد العبادة لا يؤثر فيها؟ أم الأصل عدم غلبة الظن؟ وبالتالي لا تجزئ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الكفارة مصرفها المساكين، كما نصت عليه النصوص، حيث يقول الله تعالى في كفارة اليمين: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89}.

ويقول تعالى في كفارة الظهار: فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا {المجادلة:4}.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة الصيام:.. فأطعم ستين مسكينا..الحديث متفق عليه.

وجاء في الحاوي للْمَاوَرْدِي الشافعي: اعْلَمْ أَنَّ مَصْرِفَ الْكَفَّارَاتِ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ خَاصَّةً، وَمَصْرِفَ الزَّكَاةِ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَفِي بَقِيَّةِ أَهْلِ السُّهْمَانِ الثَّمَانِيَةِ، فَاشْتَرَكَ الفقراء والمساكين في الكفارات والزكوات. اهـ.

وقال ابن قدامة في المغني: ولا يجوز صرفها إلى غيرهم -أي: الفقراء، والمساكين- سواء كان من أصناف الزكاة، أو لم يكن؛ لأن الله تعالى أمر بها للمساكين، وخصّهم بها ، فلا تدفع إلى غيرهم؛ ولأن القدر المدفوع إلى كل واحد من الكفارة قدر يسير، يراد به دفع حاجة يومه في مؤنته ، وغيرهم من الأصناف لا تندفع حاجتهم بهذا؛ لكثرة حاجتهم، وإذا صرفوا ما يأخذونه في حاجتهم، صرفوه إلى غير ما شرع له. انتهى.

ويجب على المكفر أن يتحرى عند دفع الكفارة، فلا يدفعها إلا لمن علم أو غلب على ظنه أنه من مصارفها، قال في كشاف القناع: وَالْكَفَّارَةُ كَالزَّكَاةِ فِيمَا تَقَدَّمَ، فَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَّا لِمَنْ يَعْلَمُهُ أَوْ يَظُنُّهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا لَمْ تُجْزِئْهُ، إلَّا لِغَنِيٍّ إذَا ظَنَّهُ فَقِيرًا.. اهــ.

ولا يضر كونك لا تذكر هل غلب على ظنك استحقاقه لها؟ لأن الغالب في المتسولين هو الحاجة والمسكنة، ولأنك أعطيته بسبب تسوله، وظهور الحاجة عليه، والشريعة مبنية أحكامها على الغالب، لا على النادر، ومن قواعدها: النادِرُ لا حُكْمَ له.

ومن قواعدها أيضاً: الغَالبُ كَالْمُحقَّقِ.

وقد قال المقري: المشهور من مذهب مالك أن الغالب كالمحقق في الحكم... اهـ.

وأما إذا طرأ الشك: فقد قدمنا في الفتوى: 114612الكلام عمن دفع زكاته لمن يظنه مستحقاً، ثم شك في استحقاقه، وذكرنا فيها أن من دفع زكاة ماله لمن يظنه مستحقا ثم شك في استحقاقه، فإن العلماء -رحمهم الله- قد نصوا على أن الشك في العبادة بعد فعلها لا يؤثر، لأن الأصل صحتها، ولأن ذلك يفتح باب الوسوسة، ولا يسلم منه المرء غالبا، فيوقع العمل بمقتضاه في الحرج والمشقة.

وقد قال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج: 78}.

وبناء عليه؛ فلا تطالب بإعادة إخراج تلك الكفارة مرة أخرى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني