الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أشعل النار في أرض للغير؛ لإبعاد راع عنها؛ فاحترق له خروف. هل يضمن؟

السؤال

استفزني أحد رعاة الأغنام، فقمت بإشعال النار في الأعشاب الجافة في أرض زراعية ليست لنا؛ لكي لا يأتي بأغنامه إليها، لأنها قريبة من أرض عمي.
وبعد مدة قال لي إن أحد خرفانه احترق ومات بسببي، مع أنني لم أقصد قتل الأغنام، فقط أردت إبعاده عن المنطقة.
فهل علي إثم في ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يمكننا الجزم بالحكم في خصوص حال السائل؛ فإن الإثم وعدمه لا يقترن بالفعل وحده، بل بالقصد والنية أيضاً، فقد يأثم المرء بفعل مباح، وذلك بأن يقصد الإضرار بغيره وإدخال المشقة عليه، دون وجه حق؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ. رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة.

قال المباركفوري في (تحفة الأحوذي): الضرر والمشقة متقاربان، لكن الضرر يستعمل في إتلاف المال، والمشقة في إيصال الأذية إلى البدن كتكليف عمل شاق. اهـ.

وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه أحمد وابن ماجه.

وراجع في شرح هذا الحديث، الفتوى: 125496.

وكذلك الحكم بضمان التلف (قيمة الخروف)، يتطلب إثبات التلف أولا، ثم معرفة تفاصيل الواقع، فإن الضمان يتعلق بالتعدي والتفريط، وهذا يختلف بحسب الواقع!

ولكن نقول على وجه العموم، لا في خصوص حال السائل: إن من أجج ناراً بما جرت به العادة، في أرض ليست مملوكة لأحد، فإنه لا يضمن ما أتلفت النار، إلا إذا فرط في التحفظ، أو أفرط في استعمال النار.

وأما من أججها في أرض مملوكة لغيره، فإنه يضمن ما أتلفت النار.

قال الحجاوي في «الإقناع»: إن أجج ‌نارا في موات ... فتعدى إلى ملك غيره فأتلفه، لم يضمن إذا كان ما جرت به العادة، بلا إفراط ولا تفريط، فإن فرط أو أفرط: بأن أجج ‌ناراً تسري في العادة لكثرتها ... أو أوقد في ملك غيره فرط أو أفرط أو لا، ‌ضمن ‌ما ‌تلف ‌به. اهـ.

وقال البهوتي في شرحه «كشاف القناع»: (أو أوقد) ‌نارًا (في ملك غيره) تعديًا (فَرَّط، أو أفرط) أي: أسرف (أو لا، ‌ضَمِن ‌ما ‌تلف ‌به) لتعديه. اهـ.

وجاء في فتاوى الخليلي الشافعي: (سئل) في رجل أوقد ‌نارا في ‌أرض ‌غيره وقت هبوب الريح فمر رجل بحمارة عليها زرع، فأصابت النار الزرع فاحترق هو والحمارة، فهل يكون الموقد لها ضامنا لهما؟ وكيفية الضمان ما هي؟

(أجاب) حيث أثبت صاحب الحمارة إن إيقاد النار في غير ملكه، أو أن إيقادها وقت هبوب الريح، كان الموقد لها ضامنا للحمارة وللزرع؛ لكونه أوقد النار في غير ملكه، أو وقت هبوب لريح، فإن شهد بقيمتها من يعرفها عمل بذلك، وإلا صدق الغارم بيمينه؛ لأنه غارم. اهـ.

وجاء في حاشية الشبراملسي على «نهاية المحتاج»: لو أوقد في ‌أرض ‌غيره ضمن ما تولد من فعله مطلقا، مقارنا كان أو عارضا؛ لتعديه، ومن ذلك ما يقع كثيرا بقرى الريف من أخذ الفريك ونحوه وإيقاد النار عليه ليستوي ويؤكل، فيضمن فيه لتعديه، لعدم ملك منفعة الأرض التي أوقد بها النار. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني